الاثنين، 25 أغسطس 2014

حمالة صدر بلا شرف

أمي من أولئك النساء البسيطات جدًا جدًا،والبسيطات جدًا لا يرينَ بناتهنّ يكبرن إلا في المطبخ  يتسلّقن وعاء الطبخ فوق الغاز وفي البلكونة تستطيل أذرعهن على امتداد حبال الغسيل،هي لا تعلم أن لي ترقوة خلقت للتقبيل وعنقًا تستطيل عناقًا،كلّ ما يعنيها ككلّ الأمهات أن أتقن فنّ الطبخ والغسيل وأن يكون لي فم للأكل وليس للكلام.
ما علمتني أمي كيف أرتدي جوربي الّلحمي الأسود،وكيف أشبك مربط حمالة الصدر الأولى ولا إلى أي الجهات أفرق شعري وأرفع غرّتي،ولا أذكر أنها أخبرتني من أين أمدّ الكحل وإلى أين أرفعه.

عندما وجدت نفسي فجأة وسط كم هائل من البهارات والحبوب المجفّفة أن وضعت ملحًا زيادة أو نسيته،وفي الحقيقة لم أنس إنما ادعيت النسيان لأنني بكل بساطة لا أفهم الحاجة للملح في حينها،بدا لي أن ثمّة أمور أكثر أهمية يجب أن تضاف إلى الوصفة السّحريّة،دوّختني أمي،مع أن الأمر لم يتطلب  وقتًا طويلًا لأفرق ما بين السّكر وما بين الملح.

لدي قناعة تقول أنه يجب إعادة تحديد الصفتين طيب وشريف فالشرف مصبوغ دومًا بالوداعة مع أن حقيقته تشتمل على الحسد وشراسته،أي أنه لا يمكن أن تكون شريفًا وتحافظ على ذاك الشرف دون الكثير من الحسد المحمود كي ترغب بنيل الصفة،و تقاتل بشراسة، وأحيانًا قد يتجاوز حدّ الطيبة  إلى العنف.

كنت أخشى أن يصبح العالم كلّه  رملًا وأن يبتلعنا كلّما تضبّب الضباب وكثف بخار إبريق شاي أمي في أقبيّة المطبخ إذا تركته وراحت تلبي احتياجات أبي،نحن لا نعرف من الحياة إلا ما حفظته الذاكرة من أفعال مرئية،ولذلك
نحن لا نعرف عن الجنة إلا بما عرفنا نقيضه من الجحيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق