مواسم !
زائر الدنيا في القلب مقيم ، يضمر لي حبا و ما درى في أعماقي أضمر له قبرا.
هذا المتحرّش وشى بي إلى الشوق نكاية بالعجز و بالمسافات ، فأرسل هذا الأخير عطر الأول يقتفي أثري ،ظنه أنني لستُ على دراية بأمره ، فأزمعتُ عليه إذا ما مات فيه الجسد ظل عطره يختلس من الصواب حتى أتى على كله ، لا هو أضعف يقيني ولا هو أبطله.
يا صاح ، مارس الاحتراق دون أن تُشعر بك أحدا ، و نم ساعة راحة تلقيها لي رحمة من ذلك الحيّز المكتظ بالعابرات في قلبك، و لا تخشَ معاركي فكل ضحاياها ذاكرة، وإن أنا اختلست من الطمأنينة أنقض مضجع الروح فلا نوم لك ولا راح .
فلا تدّعي النضج فمثلك في الجهل مثلي، إلا أنك قبيح و أنا حمقاء ،قد تعدّدت الأغراض، فمنهم من خصّص للهجر أفكاره و منهم من خصّصها موشــّحة لزمان الوصل الآتي ، و عند الكرى تنام عند ركبتيه بثيابها الرّثة و ما علمت أنه الفقير إلى لغة العطف .
يا صاحبي لا أجيد نسيان المآرب التي حكى لي عنها قلبك ، نعم أود لو أنني كنتُ امرأة عادية وبسيطة جداً ، إلا أن تعاقب الخذلان أجبرني على التعنت و العناد كي أترك وحيدة كعصف جزّ قبل موعده ، فلا يشاء الاقتراب أحدا ولا أنا أنبت الأغصان بدون جذع.
يا أنتَ حتى وسامتك ذهبت أدراج الرياح ، لم يبق من الماضي إلا أنت و نفل قديم.
ضع آلامك في كأس و أدعُ الموت أن يأتيك في هذا البرد القارس، ففي العالم المجنون لا يوجد من يرحم ، ولا ترى أملا في العيش بتعقل ،فإما أن تُجنّ كي تحيا و إما أن تموت كي تحلم.
تحت رشات المطر مدانٌ أنت أيها المقيم و أروع ما فيك أنك مازلت تجد ما تؤمن به وسط كل ذلك تزاحم الجراح ، أجمل ما فيك أنك رغم كل شيء مازلت تحتفظ بدمك .
يا صاحبي الحائر كم روحا تملك كي تبقي التفاصيل بداخلك إنه ضرب من الجور ، فقاوم إن بقيت فيك روح مقاومة ، لكنك مدانٌ و المدان بريء حتى يثبت براءته.
و تذكر نحن معشر السنابل لا نشتهي رجلا تستهلكه العابرات و لسنا نغار من تعاقبهن على بقاياه ، فليس يأكل من كل وعاء إلا من فقد فمه المذاق و مازال الطعم في فمي.
أشعل سيجارة نخب القرار و أملأ الفناجين ، قبل أن يزداد تصفيقهم في رأسي ، كم رغبت في انتزاع هذا الرأس من مكانه وأن ألقيه في غياهب الأرض .
للقمح يا صاح موسم واحد، إن فاتك كانون لن يكون لك موسم حصاد، و أنا مثل القمح لي موسم واحد ، لا يجيء حزيران و ليس من زرع يؤتى أكله إن فاتك كانوني.
تذكر ما أقوله لك جيداً : عندما نفترق و ندفن في القبر ، لا نحن نبقى ولا الخطيئة تُذكر. إنما يبقى الأثر فأنظر أين تدوس بقدمك و على من، و أحذر أن تدوسَكَ بقدميك، و كلما استبان لك القبيح عظم جمالك فقط تذكر .