الأحد، 17 نوفمبر 2013


اطمئن،
لستُ مِمَن يضربون من تحت الحِزام، لا الصراخ سلاحي ولا البكاء ذخيرتي،

قد يعود الحب بنقاب وسلاحه قسوة يضمّها إلى صدره،لكنه أبدًا لن يتوانى عن التهامي فقد أغلقت الشّهيّة عليه.

السبت، 16 نوفمبر 2013

المشدوهون في لوحة خمسة وجوه للفنان عدي حاتم


الّلوحة للفنان العربي العراقي عدي حاتم 

حين كتب السير ميغويل دي سيرفانتس ملحمته الرّائعة "فارس الطواحين"أو كما هو متعارف عليها لدى القرّاء ومحبي الرّسوم المتحرّكة باسم "الدونكيشوت" ظن كلّ الظن أن الناس سيسخرون من روايته والّتي تروي قصّة بطل مهزوم على فرس ضعيفة نحيلة،ويتخيّل هذا البطل الأسطورة ضمن تفاصيل الرّواية أنه يحارب فرسانًا وأبطالًا وهؤلاء جميعهم ليسوا سوى طواحين هواء.


كسر السير سيرفانتس صنم الأسطورة والّتي تحكي دائما قصّة بطل فائز ومنتصر في كافة الحروب فصَنعَ بطلًا في شكل جديد لروايته يخسر ويُهزم،ولا يستطيع حتّى أن يمارس القتال أو الدّفاع عن نفسه.
ودون أن أتطرق إلى عناء حمله لتلك البذلة الفولاذية،لذا فمن المنطق أن نستنتج أن الدونكيشوت عاهة إجتماعية فنّية أبدعها السير فاتنيس ناقلًا لنا الحالة الحقيقية للواقع.
وهنا في هذه الّلوحة الفنّية الّتي أبدعها الفنان عدي حاتم صليوة يصف لنا حالة العراقي بعدد حروب عمره من خلال تكرار الوجه،ذات الوجه مستعينا بتقنيّة عالية لإعطاء الّلوحة"الحالة"شكل الحركة.

وأنا مثل هؤلاء الذين احتفوا بتلك الأسطورة،وكأي بدعة صادمة كانت أو مضحكة فإنني ما أن شاهدتُ هذه الّلوحة والّتي أعطاها الفنان عنوان"خمسة وجوه" للوهلة الأولى خطر ببالي أن أصلبها إلى جدار أسود وأن أجلس أرضًا أحتسي البراندي وأقهقه توجعًا،ولعلّي أغرق وسط هذه الملحمة العراقيّة مع نهاية آخر كأس نخب الصّدمة.

ففي البدء يصدمنا الوجه الأول للفارس يجتهد التّحديق في مستقبل مجهول،ثم وجهه الثاني مشدوهًا بحقيقة اكتشافه لكذبة لطالما عاشها حقيقة،ثم يأتي وجهه الثالث تعِبًا مما اجتهد وشده به،ووجهه اللامبالي والأخير تلاشت بعض ملامحه وبقيت آثار الدّماء.

إلا أن أعداء البطل في هذه الّلوحة الرّواية ليسوا وهمًا  من خيال الفنان كما هيّأ للدونكيشوت، وعلى عكس ما جاء عن لسان السير فانتس هنا كان الأعداء أبطالًا والفارس المهزوم وهمهم المرهق،فتحار من تصدّق، وجود أعداء ليسوا مسلّحين ولا هم مقاتلين،أم فارسًا لم يقاتل.


العمل الإبداعي لا يعني اطلاقًا رسم الواقع كحقيقة فوتوغرافية مفروغ من تصديقها،إنما إخراج المتلقي من تلك الملحمة واخضاعه للمساءلة والتّشكيك فيما إذا كانت تلكم الحقيقة واقعًا يجب عليه تسليم أمره لها وبها،وما هو مدى تورّطنا كأفراد في صناعتها. 



الجمعة، 15 نوفمبر 2013

ربّما تؤول قدسيّة الإنسانية إلى كون الإنسان في لحظة ما يبقى وحيدًا في مواجهة مع الذّات بإذعان،أو أنه يكون على الأقل في حالة شبه تذلّل لمواجهة اخطائه،
ما أشدّ ما تخفيه الأنفس وراء الأقنعة،ولكم سيغدو خلعها بحركة بسيطة أمرًا يسيرًا،لو أنّنا ندرك ونقدر على القيام بذلك عوض تصنّع التّمسك العنيد.

الخميس، 14 نوفمبر 2013

أوجاع سلامة الحافية\قراءة في رواية للدكتور حسين العموش






من المؤكد أن سـر نجاح أي عمل في مستقبله، إنما هو سـر الدراسة المسبقة الّتي تعتمد على وقائـع وأحداث حقيقية،وأن يكتب الفلسطيني عن حبه لوطنه فلسطين هذا أمر طبيعي اعتدناه،ولكن أن يقصّ علينا كاتب عربي أردني قصّة حبه لفلسطينية ولفلسطينيّته وشغفه بالنضال من أجلها ضاربًا عرض الفتنة بصخرة إيمانه بالهدف الرئيس للأمة ناسفًا كلّ ما سمعنا عنه فهذا شأن  آخر.

سلامة الحافي 
رواية يمكن أن تلتهمها دفعة واحدة،جرعة جوع للماضي وأخرى من حاضرك  لِتشهق إلى مستقبل متواز مع رجالات زمانه،ليست رواية عادية،أو مجرد رواية ماتعة،سلامة، الذكاء السّردي،وعظ،وصراط يُقوّم القارئ المعوجّ،وما لا تعرفه عن علاقة الأردني بفلسطينيّته،عن النّضال العربي،تذكّرك بحديث أمك والجدّات عن شواهد قبورهم في جنين وكوكب أبو الهيجا،تأخذك إلى أحياء ربّما زرتها،وإن لم تكن قد فعلت،لابدّ أن تفكّر بزيارتها لعلّكَ تمرّ ببيت الحافي أو تصادف ملامح سلامة بجلده،بكومة عضلات مشلولة العصب،أو بسلفيت.
ستبدو رواية "سلامة الحافي" للدكتور حسين العموش حكاية خيانة وطنية مدونة بصراحة، التقت  بفصول متناغمة في سيرة ذاتية اعتمدت التدوين وإسترجاع الفواصل الزمنية للوقوف على مراحل متوترة من التاريخ الاجتماعي والسياسي الفلسطيني الأردني. .
تتحرك رواية "سلامة الحافي" للروائي والدكتور حسين العموش العربي الأردني والصادرة عن دار فضاءات للنشر والتّوزيع عام 2013 على مسافة متوازية بين المتن والهامش إلى الحد الذي يتماهى في كثير من الأحيان ما يدخل في باب المتن مع الهامش أو بالعكس. ومثلما قد لا تجد حدثًا رئيسًا  لهذه الرواية فإن ما يبدو هامشًا يؤثر في صنع الحدث الروائي أو تكييفه لصالح عملية السرد مثلما هو المتن الحكائي. وحيث أن العموش اعتمد أسلوب القص أو الحكاية، الّتي تبدو أحيانًا على شكل شطحات أو لنقُل رسالة طويلة وممتدة بين سلامة الحافي النائب في مجلس النواب إلى نفسه، ولكنها في الحقيقة رسالة إلى المتلقّي، الذي عذّبته وأوجعته العلاقة الحرجة بين الفلسطيني والأردني وفي أكثر الأزمنة خطورة، وهي الحقبة التي تلت أحداث أيلول، فإنه سعى لايضاح الأحداث والوقائع وإعادة صياغة شكل العلاقة الأصيلة مع بعض عبر نسيج متكامل غلبت عليه ظاهرا السمة السّردية المباشرة الّتي تقرب من وجهات النظر. دون الأتيان على ذكر "أيلول" ونتاجه المقيت،وربّما كان عدم تعرض الكاتب لتلك الأحداث لكونه لن يستطيع الوقوف على الحياد في النّص،وبالتّالي كان من الممكن أن يخسر ثقة المتلقي.

 رواية  محكومة بتنقية روائية عالية اتضحت معالمها في الفصل الرابع  من الرواية  يقول الروائي حسين "من قال إنّ درجة الشبع لا تعني الجوع عند امرأة يتركها أبو حيدر لعشرة أيام تطارح الحيطان،وتضرب رأسها في خزانة الملابس،امرأة لا تشبع شهوة،جوعها لا ينتهي،مثل نار لا تنطفئ."
إن دقّة التّعبير حين يرافقها الحذر الشديد حول ما يقال وما لا يقال غالبًا ما تسيء لإخراج النص وجمالية العفوية السّردية،وبالرغم من ملاحظتي حول التّحفظ الشديد،إلا أن تحفظ الكاتب هنا أضاف للرّواية متعة إضافيّة فشغفت القارئ بالفضول الّلذيذ ،لذا يصعب علي عدم الالتفات إلى كنه الكاتب وحكمته الّلئيمة في السّرد،إلى جانب حنكته وذكائه الشديد في تلمّس بواطن الوجع الأردني الفلسطيني والعربي،وهذا يحسب للكاتب.
أُخبرُكم وأنا على ثقة ممَّا أقول،مهما تَظاهر أيّ منا ومهما زعمَ اللامُبالاة وعدم الإكتراث فهو يشعُر في أعماقِ أعماقِه بأنَّ العربي في هذه الرواية أشدُّ حبًّا وأكثر لفلسطين،ولعلّه أكثر تصالحًا مع  نفسهِ مِنا، لذا يحاول السَّيطرة على إنفِعالاتِه بتصَرّفات يراها البعض غريبة وقد تفسّر برودًا أو تدرج تحت شعار"اللاوطنية"وهِي طبيعيَّة جدًا بنظر العاقل وكل امرئ سيقرأ هذا الكلام هو يعلمه مسبقًا.

ابن خرابة اللويبدة يحظى باحترام الناس بل ويصل الى "مجلس النواب"
بهذه الرؤية الحساسة والمركّبة يسرد العموش حكاية ابناء الشوارع  والسجون والمساجد وأبناء المدن  في وحدة سردية متلاصقة منتجًا بذلك رواية أثيرة في معاينة النوع الاجتماعي عبر عنوان سلامة الحافي في أجزاء مسرودة بعناية لتوثيق زمنية المكان في الواقع الذي يُنتج مثل هذه الرّموز الوطنيّة والسياسية ومثل "سلامة الحافي" .


وإذا كنا ضمن وضعية الإلتباس الرّاهن،فإننا لا نعلم على الإطلاق ما إذا كانت "شهرة"البعض ناجمة عن كونه رمزًا أو لكونه مفاوضًا مساومًا،فالمفاوضات مفتوحة على فكيّ التأويل وكذلك التّطبيع،كذلك خيانة البعض المخبأة تحت إبط "النّضال،فإن هذه الرّواية توضح لنا الكثير مما خفي عنا،ولم نشأ التعرض إليه.

وبرأيي المتواضع فإن عيب الرواية الوحيد جاء في اسم "ريتا"حبيبة سلامة الحافي،رواية عشق مقرونة بالمعرفة والسرّانية والأسئلة الصعبة،تأسيسًا جديدًا في قراءة الزمكان  عبر ذاكرة مفتوحة على الماضي واستدراج أزمان مجتمعية متعاقبة، يتصدرها أبناء الشوارع الذين وصلوا إلى سدة الحكم ببساطة متناهية ، فلم تعد معيارية الثقافة والأخلاق والنضال سبباً للصدارة الاجتماعية أو الوظيفية السياسية الوطنية، لكن أبناء الشوارع يختصرون الزمن ويقفزون على المكان ليأخذوا حصة غيرهم من الحياة بطريقة المغامرة السّردية المصنوعة بعناية فائقة.
وحيث يعالج الروائي آفاتٍ مجتمعية في المجتمع الأردني بذكاء وحذر حرّض من خلالهما على الطمح بإنشاء مجتمع معرفي لمحاربة الأميّة السياسية والثقافات الإجتماعية البالية وإقصاء مرتزقة السياسة واللاعبين على حبالها، وإقامة منظومة ثقافية تهيء للأجيال المقبلة أرضية وعي مشترك بضرورة تكريس الهوية الوطنية المنفتحة على الهويات الثقافية في المجتمعات العربية،وإعادة الإعتبار للمثقّف المحبط وتقوية دوره الاجتماعي الفعال، وتوطيد الصلة الحميمة بين أبناء الشعب  وإشراكهم في بناء مؤسسات الدولة،مع إعطاء الأولوية للعقل في تشكيل نظام سياسي واجتماعي  يؤسس لحضارة العقل العربي.  

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

سلامة الحافي

سلامة الحافي 

رواية يمكن أن تلتهمها دفعة واحدة،جرعة جوع للماضي وأخرى من حاضرك  لِتشهق إلى مستقبل متواز مع رجالات زمانه،ليست رواية عادية،أو مجرد رواية ممتعة، سلامة، الذكاء السّردي،وعظ،وصراط يُقوّم القارئ المعوجّ،وما لا تعرفه عن علاقة الأردني بفلسطينيّته،عن النّضال العربي،تذكّرك بحديث أمك والجدّات عن شواهد قبورهم في جنين وكوكب أبو الهيجا،تأخذك إلى أحياء ربّما زرتها،وإن لم تكن قد فعلت،لابدّ أن تفكّر بزيارتها لعلّكَ تمرّ ببيت الحافي أو تصادف ملامح سلامة بجلده،بكومة عضلات مشلولة العصب،أو بسلفيت.


السبت، 9 نوفمبر 2013

روح في جسد من الذعر والتوجس\قراءة في لوحة للفنان العربي الفلسطيني الأردني أحمد القزلي





مصلوب ذاك الهيكل تزاحمه الخيبات بانتظار فرصة لتصيبه في مقتل،
ساحر حدّ الدّهشة ،ساخر حدّ القهقهة، متشائم حدّ السّواد،ضائع حدّ أللاحدْ.
كذلك هذا المنبثق من الطّين والقشّ،كمسخ مفزوعٍ من قبيح الزّمان،يكتم شهقاته قبل انشقاقه عن جنس الإنسان،
انبثق فجلس فوق ثرى الأوهام الموؤودة بالخذلان بعد أن انطفأت شمعة أمل عرّته العَتمة وواراه العشب،كأنه على ضفّة نهر وموسم عزاء.

رفع يده يصدّ رياح الجوع عنه لعلّ الغافل تدركه إذا ما طوّقت عنق أطفاله كجرعة أفيون خام إذا ما أفاق منها مات ميتة فجائعية، لَعَمْري،جفّت مقله  وأقفَرّت روحه، طالَ به الأمد وما عاد يطيقُ مع القهر صَبرًا،أيروي زهرَ عُمره بدمعٍ مندفعٍ بخشونة الملح،أم يبقى نحو أعالي السماء طائرًا حرًا مُنتصرًا،وإن كان النّصر وهمًا؟!

ويح عُمره الراكض  كمُهرةٍ تُسابقُ الزَّمَن خيبة تليها خيبة،والليالي تَحبو عِجافًا، وَيكأنه يحياها في الرَّمَقِ الأخير و أوجع،أيُّ كنفٍ ذاكَ الذي قُدّرَ لَهُ أن يَحوي روحًا ناصبة متيبّسة،وأيم الله ما عادتُ انسانًا ضاقت به الجمادات ذَرعا.!

ويمتدّ ما شاء له البنّي وشاء وعاء الدّم المقلوب،دم القبائل المغليّ فوق نار الأصالة منذ أزل الرّجولة ،وكمن يحاول ستر حقيقته كي لا يتورّط في علاقات حرجة مع الأرض يعلم مسبقًا نهايتها،جلس اجتثاثًا لروحه الّتي لم تهبط من السّماء بعد،فتوحّد فيه الذّعر والتّوجس معًا،واغتيل المشهد في حدقاته المطبقة وتوارى قلبه خلف أضلعه،لا نبض،لا إشارة صوت،ولا يوجعه سوى لونه التّرابيّ،تنزوي روحه بأوجاعها في حين تنتحب الأرض بصمت.








الخميس، 7 نوفمبر 2013

غابة في مرفأ نائل العدوان





مرور متأنٍ بالمجموعة القصصية المرفأ لـ نائل العدوان 


كل مبدع في شتى مجالات الإبداع يحرص على أن يجد له المتلقي الواعي، الذي يتفاعل مع إبداعه ، فلا يبدع المرء لنفسه، كما يزعم البعض ،إنهم يعبرون لأنفسهم ، وان تناسى المبدع المتلقين أثناء الإبداع ، فانه بعد العملية الإبداعية ،لابد له أن يفكر في نوع المتلقي الذي ينبغي ان يطلع على نتاجه ، وبعض القراء يمتلكون الوعي لنقد ما يقرؤون وتتنوع القراءة حسب اختلاف أصحابها وتباين ثقافاتهم ، فالعمل الواحد قد يوجد له قراءات متعددة ، وهذا لا ينفي عنه صفتي الجمال والفن.

حين نختار لوحة لتكون جداريّة على إحدى الجدر في منازلنا فإننا نختار ما يوحي لنا بما نشتاق إليه أو نحلم به،أو ما يشعرنا بما نشتهيه،وهنا كان نائل العدوان في مجموعته القصصية يختار عكس ذلك تمامًا،ولعل اختياره جاء ليقول لنا ليس كلّ ما نكتبه نريد قوله،وقد يكون عكس ذلك،إلا أن اللوحات المختارة لتلحق بالعنوان وتسبق النص وضعت لتؤكد ما ذكرته سابقًا.

قال الكاتب بعض ما أراده والقليل مما نريد قراءته بلغة سلسة بسيطة مفهومة،حيث أنه لم يشتغل على تعقيدات اللغة واختيار المفردة،فلم ينحت الجمل نحتًا إنما ترك لسجيّته حرية شبه مطلقة،وقمع ما غاب عن النص فحضر في ذهن القارئ"أنا".

الأدب الجميل يتناول  الحدث ويدس فيه وعظًا لمحاولة تغيير الجوانب السلبية فيه،الى حياة أكثر إشراقا وأقرب مدعاة إلى البهجة ، استطاع عدوان من خلال  نصوصه القصيرة صقل خبرته في مجموعته القصصيصة مما جعلها  ناجحة من الناحيتين الفنيّة والمعنويّة.

 وفي بعض النصوص يصعب على القارئ فهم ما أراد عدوان أن يقوله لنا.!؟
ولربما كان يتعمد ألا يفهم مبتغاه وأيّ مرمى كان يصوّب نحوه لدى المتلقي،هذا بالطبع لا يعاب على الكاتب،بل يعيدنا إلى طرح السؤال على أنفسنا ،ما الذي نعرفه عن الآخر وعن ثقافته وحضارته الاجتماعية والتاريخيّة،عن مأساته الحياتية،هل سأل أحدنا لماذا نختلف مع الآخر ولا نعترف باختلافنا عن الآخرين.؟!

"أصبح المرفأ مستنقعًا للضفادع"
هكذا قال نائل العدوان في نص "المرفأ" صفحة 50
قد يصبح المرفأ مقفرًا مثل صحراء ولعلّه يزدحم بمن لا أصل لملامحهم فيطفح بهم،ولكن أن يصبح المرفأ مستنقعًا طاعنًا في عمق العفن فذلك تعبير عن شدّة قهر ولعلّه دلالة على درجة السوء الّتي وصل إليها الوطن وبالتّالي المنفى كالمرفأ مزدحم في القاع ولم يزدحم بمن فيه بعد.

القصة باعتبارها  سرد شيء باحساس مستمد من واقع الحدث أو حقيقة ،يجب أن تكون هناك  فكرة  ذات معنى ودلالة ولا تكون جزءًا في أيّ شيء  بلا معنى او علاقة تربطه بألفكرة العامة والخاصة الّتي يدور حولها الكلام وعادة يربط الحدث بالإنسان وفق مرحلة زمنية معينة، وان يتم ربط الاحداث بصورة تتابعية لتجنب الغموض والفوضى السردية.
وكي تصاغ الانظمة السردية الوصفية بناءً على البيئة الثقافية والاجتماعية يؤخذ الاعتماد على السلوك البشري لبناء الخيال والحوار والسيناريو وفقًا لذكاء  السرد الذهني والمعرفي المبني على التجارب والخبرة وهذا ما يظهر جليًا في نصوص نائل العدوان،وبالرّغم من اعتبار  القصة عبارة عن حكاية ذات معنى رغم كونها خيالية او واقعية وهي اما عبارة عن حبكة شخصية او فكرة تهدف إلى احداث تأثير في القارئ  وبالتالي التغيير،فإن أعمال القاص العدوان جميعها حملت ذات الهدف وذات الطابع البيئي"الغابة".
ولأن القصة  تحتاج  إلى موقف واحد وشخصية واحدة لتركز عليها بكامل خصائصها، لتمثل القصة الوجه الحقيقي للكاتب وابداعه من حيث الموضوع والمضمون وفن السّرد فإن الكاتب جعل القارئ يتتبع الأثر ويرصد حركة الأشياء من خلال النصوص السائرة في مسار واحد.
واخيرا  فإن القصة تمثل ايحاء وتعبيرًا غير واضح المعالم يعكس بيئة وثقافة وخبرة ومهارة القاص وبألرغم من الرّغبة إلا أننا لا نصل الى المضمون والفكرة الحقيقية الّتي تدور في مخيّلة وذهن الكاتب في لحظة الكتابة.

ولعلّ القاص أصر على الأفعال المضارعة لكون الحدث مازال قائما والحل لم يخرج إلى حيّز الفعل بعد،وهذا ما يفسّر م علاقة عدوان بالأفعال المضارعة وبأي عينٍ رأى المتحركات جامدة،وأصراره على سبق نصوصه بلوحة مغاييرة للعناوين،جميعها اسئلة يجب طرحها ولو في حوارية قصيرة مع مبدع النص الأدبي،في محاولة فهم ما وراء كلّ لوحة غير ما ذكر في النص، أتمنّى أن يعمل القاص في نصوصه القادمة على التّكثيف بشكل أكبر.
برع القاص في خلق الحيويّة والديناميكية والحرارة في مجموعته، حتى في تلك النصوص الّتي  لم يكن فيها صراع خارجي، ولم تكن هناك غير شخصية واحدة،فالدراما هي عامل التشويق الذي يستخدمه الكاتب للفت انتباه القارئ، وفي ذات الوقت حققت المتعة الفنيّة للقارئ.


السّرد باعتباره  الوصف أو التصوير، كان جزءًا من الحدث والشخصية ومن كل عناصر القصة،كما كانا  نابعين من صميم العمل ولم  يكونا دخيلين عليه،فكانا فاعلين فيه لا مجرد زينة،وإلى جانب الحوار  الديالوجي والمحادثات الّتي دارت بين شخصيات العمل، فهو أحد أهم التقنيات الفنية المشاركة في بناء العمل، وذلك لأنه نافذة يطل منها القارئ على ثنايا القصة، ووسيلة فنية لتقديم الشخصيات و الأحداث والتعريف بها من داخلها.

كما كادت جميع لوحات القاص العدوان لا تخلو من طائر أو حيوان،" كانت المدينة تغلي من القهر على حريّة انتزعت عنوة منها.لا حنطة في البلد،لا حمام،ولا أمل."

ولعلّ عدوان اختار الحيوانات والطيور لمقاربة التشبيه بينها وبين "الإنسان"اليوم متخذًا الانزياح درعًا واقيًا للكتابة ببعض حريّة،وحيث تعاونت تقنيّته الفنيّة مع طريقته في صياغة الحدث، ثم رسم شكل  نهاية العمل الأدبي، لتكبر الغابة، وأيًّا كان ذاك الطّائر فهو نائل بحروفه أجنحة كلام وجوهرة أعماله الفنيّة.