فضاء بلوري / دقوا الأعناق
بعد قليل يلتهب ضوء قناديل السماء الدانية الحانية على المدى و يستند الليل إلى جدار الرسومات السائحة في مهد أحلام عشوائية ، تَخفِتُ حينها الأصوات ، لا تغتر بما يزخرفه لك الظلام ، لاحق الضوء المتدفق الهاطل عليك من لألأ السماء ، و لتعلم إن ما لم تترافق ممارسته بلذة فإنه لن يحقق هدفه في حفظ نوع الإحساس بلا نهاية و دون حواجز ،و لن يحقق اللذّة المنشودة من ممارسة التلذذ باللحظة الغير قابلة للالتقاط بنظرة رباعية الأبعاد ، دع العصافير تغرد عند النوافذ العتيقة المعتَّقة بطول انتظار ،و لا تحاول أن تستعيد الماضي و أحزانه المنسية ، ارتشف فنجانك على مهل في شوارع مدن تعج بأسماء و أوقات الغياب ،
لا أسانيد للذكرى إلا ما علق في الذاكرة بعضها باطل و فيه حق ، لذا إذا شققتَ ثوب الذاكرة وجب عليك دفع كفارة لا يعمل بموجبها إلا من شقَّ ثوبه على الملأ ،
و يستطيب الطعن حيث قسموا مراحله إلى أربعة مراحل أثناء العملية ،كي يكبر التحفيز و ننال الطعنة تلو الطعنة ، مرحلة فيها تثار و مرحلة فيها ذروة اختراق صدر و مرحلة النشوة لانفجار وريد و مرحلة الارتخاء فيها يترنح المطعون و يسقط غريقا في دمه ، يرقص الطعين رقصة الغجر حافي القدمين على جثث المترنحين الغارقة في برك الدم . و لأن التعبير يموت حين يكون الإحساس يتيما يصرخ الرُّخام ، فتتفاعل الرّغبة في النفس البشرية فتتخذ ثلاثة طرق معروفة لإشباعها :
- الممارسة المستمرة لتكرار اللّذة بذات الشيء ( دون وعي تام بما يقوم به الفرد و هذه حالة مرضية على الأغلب تدخل فيها الشوزفرينيا )
- الممارسة الذاتية (كأن يطعن الشخص نفسه و هذه أيضا حالة مرضية إلا أنها لا تسيء إلا لحامل المرض ذاته).
- الممارسة الواعية ( في حال وصل الفرد إلى التلذذ بما فعل فإنه يكرر ذات الفعل بتلذذ كأنه يشرب كوبا من الماء ).
و بالتالي فكل من الطرق الثلاثة تؤدي إلى تهلكة النفس البشرية أو أن يُهلك الفرد نفسا بغير حق أو أن يهلك ذاته .
و لأنه لا يمكن تحديد المعتقدات أو تبرير التمسك بها إلا بالأخذ في الاعتبار النتائج العملية المترتبة على الإيمان بها ،كما أن هذا ما يبرر استمرارية سفك الدماء بغير حق و دونما تبرير لدافع القتل إلا القتل بحد ذاته و الذي يكون بمثابة سبب مسبب للّذة و التلذذ حتى الوصول إلى اللّذة المنشودة من الفعل ( القتل ) ، على غرار الحقيقة وفقا لنظرية البراغماتية و التي هي الحل العلمي الممكن ( تقريبا ) لمشكلة ما ، بينما هنا نجد أن الحقيقة ثانوية إذا ما قورنت بالممارسة العملية ، لكن الحقيقة ( الحل العلمي لمشكلة ما بالقتل ) تستوجب أن تجعل الفرد في حال أفضل مما هو عليه قبل القتل ، و السؤال الحاضر الملح الآن هل وصل القاتل إلى حال أفضل مما كان عليه لو لم يتمسك بقاعدة القتل ( أو فرق تسد) مما كان عليه قبل الإيمان بفكرة القتل .؟!
لأن كل بحث علمي يخلص إلى نتيجة نسبية فإّنا هنا أيضا سنخلص إلى نتيجة نسبية ، و نسقط مرة أخرى كل الأبحاث السابقة التي أكدت على وجود نظريات ثابتة .
من يتأمل المشهد العربي على امتداد البلدان العربية سيخلص على الفور إلى أن فكرة القتل تلك لم توصلنا إلى حال أفضل مما كنا عليه قبل الإيمان بفكرة القتل لعدة أسباب ، أولها أن الفكرة لم تطبق بحذافيرها كما يتوجب على القاتل أن يَقتل ، مثال بسيط كي تتضح الصورة ، قيل : ( دقوا الأعناق ) و حسب مفهومنا البسيط لدق الأعناق قطع الرأس ، هذه عملية يجب أن تتم بلمح البصر أو قبل أن يرتد الطرف إليك ، هل فكر أحدكم في الأسباب غير تلك التي تزعم ( كي لا يتألم مقطوع الرأس ) ، ؟
إن الدماغ البشري يُضيع خلال الحديث بعض المفردات من بينها الأمر النهي الطلب ، لكنه يحفظ الفعل ، و الفعل قتل لابد أن يستبدل في حال أردنا من الشخص العزوف عن القتل بمفردة أخرى كأن نقول له عفو ، مغفرة ، صالح ، وآم، أمن ، أمان ، سلام ، هذه مفردات علينا التزام تكرارها في حال أردنا من الشخص الغاضب الهدوء و الخطأ أن يطلب منه الهدوء المباشر ، كأن نقول له : ( أنت غاضب ، لمَ أنت غاضب ، عليك أن تهدأ و الخ ) فالدماغ هنا في هذه الحالات يُضيع الأمر أو النهي أو الطلب و يحفظ فقط الفعل فيتحول حديثك إليه كالآتي : ( غاضب أو غضب ، أنت غاضب ، ) ، و هنا ترتفع وتيرة الغضب .
بنظرة أخرى إلى الأمر :
فعلٌ حلال لذيذ و فعلٌ حلال لا يقتصر على العلاقات بين الجنسين ، إنما كل عمل يأتي وفقا لتعاليم إلاهية هو ممارسة للحلال أي ما أحله الله و رسوله ، فما بالك حين تمارس الحلال بتلذذ كي تصل إلى اللّذة المنشودة من الفعل ، كذلك ننظر إلى حالات القتل في حالات تستدعي القتل وفقا للتعاليم الرّبانية فإنك حتما ستخلص إلى حال أفضل مما كنت عليه قبل القتل الحلال .
كي نحدد أي القتل حلال و أيه حرام يتطلب الأمر وعيا كاملا و فكرا و قراءة ، جاء في سورة البقرة :
قوله تعالى : ) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ( 191 ) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم( 192 ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 193 (
جاء في سورة المائدة : ) أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) المائدة32
و جاء في سورة الفرقان : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ، مالكم كيف تحكمون ) .