الاثنين، 9 يونيو 2014

قراءة في نص نائل العدوان


مرمر القاسم - فلسطين


تحت بيت الدرج رواية تشبه الأرجوحة تطوّح بالمتلقي تارة  إلى الوراء ثم الآن وغدا، أربعون درجة صعدتها بهدوء تام، عزفها المؤلف كما لو كانت حلما بيانيستيًا تاركًا سحنون يتحدث عن نفسه بنفسه، وكما يريد أن يُكتبَ صراعه القائم على حريّة الفكر أولًا واختيار الرحيل إلى عالم آخر أو البقاء متعلقًا بذاكرة الأمس كحبل غسيل أرغم على التّواصل مع الجهة الأخرى خدمة لأغراض الآخرين وليست رغبة منه في البقاء على صلة.

أن تقرأ رواية على نفس واحد شيء عظيم، ولكن أن تكتب رواية على نفس واحد هذا أمر يحتاج إلى براعة كبرى ومقدرة على الجذب  والامساك بالمتلقي مؤسسًا على  الشخصيّة المركزيّة  مفهوم الحقيقة الواحدة الّتي هي حقيقة رؤيته وتأويله لصراعه مع مجتمعه وهي من ستكشف عن أنانيّة ضروريّة كي يحافظ العالم على اتزانه، ليدخلنا في فلسفة الأرادة والتناهي والذنب بأسلوب سلس بسيط،يسهل فهمه دون حاجة القارئ بنظريات الفلسفة الصعبة. و"الشر الأخلاقي"

أحمد، عقلٌ يقيم علاقة متوتّرة بين زمنين وذاكرتين، بين مفهومين ضدّين، العقل واللاعقل وفوبيا اللامكان والحالة الصحيّة الّتي يجب أن تكون عليها الحياة.

وهنا يبدو أن أحمد لم يجن إنما وصل إلى الدرجة الأخيرة في سلّم اجهاد العقل ورفض الواقع، وتلك هي أقصى درجة يمكن له الوصول إليها ومنها يبدأ الهبوط السريع  حيث يقرر العقل تجميد الماضي والبدء من جديد، فيبدو للآخرين كأنه جنّ، فلا يمكن أن يكون غير ذلك، المجنون يفقد العلاقة كاملة بالماضي أما الهارب من الواقع والذي إذا أصاببته متلازمة الانفصام يحفظ الماضي مبعثرا وينسى لفترة زمنيّة بعض التفاصيل والأسماء، ولا ينسى اسمه إنما يهيّء للآخرين أنه كذلك بينما يعيش هو في شخصيّته الأخرى الّتي لا يدركها الآخرون من حوله ظانين بأنها حالة جنون، وحين حدث ذلك أظهر سحنون جرأة أكبر على مواجهة الأخرين والصراخ بالحقيقة دون أن يقيم وزنًا للخسائر.

 

 

يقول الكاتب في صفحة 90

"أحس بنفخ خفيف خلف رأسي، ألتفت للوراء، لا أحد، هل هي لعبة  اختباء؟ لا أحب هذه التصرفات، أشعر بأن الهمس يزداد ويتحول إلى طنين، أذني لا تستطيع احتماله، رأسي صندوق ممتلئ بالقصص المهملة، تفيض منه وتجعله مهرئًا"

هنا يظهر جليًّا اصابة أحمد الشيزوفرانيا والقريبة من التّوحد، فعقل المتوحد عبارة عن غربال يدخله كلّ شيء وأيّ شيء دون رغبة منه بذلك، وكما تدخله الأفكار والأشياء كذلك دون رغبة من المصابتتناسل من ثقوبه.

تدخل الروائي أكثر من مرة في النص، إلا أن حضوره مباغتة وخروجه من حيّز النص إلى سقف المسرح كمن يحرّك الدمى لا يهبط إلا لتبديل الديكور، بحركة خفيفة وسريعة يصعب التقاطها أو القاء القبض عليه، مما يسترعي العودة للبحث عن البداية، متى دخل  وكيف، وما أن تبدأ القراءة من جديد حتى يعتقلك النص ولا تدرك الأمر إلا بعد تخطي نقطة مغادرة الروائي.

بناء نسق  فلسفيّ من خلال أنثروبولوجيا وتركيب المفكّك بعد التحليل في نصّ روائي ليس بالأمر السهل، إلا أن نائل العدوان يقص علينا في روايته الأولى وبتقنيات عالية يشكّل الحالة ويفكّكها درجة درجة. ثم أسدى لسحنون في روايته"مذكرات تحت بيت الدرج" الصادرة عن دار فضاءات عمّان، هدية عظيمة، حيث يصعب على من لم يتخصص في مجال الأمراض النفسية والعقلية أن يكتب بتلك الطريقة عن حالة مصاب بمتلازمة الشيزوفرينيا، وللوهلة الأولى اعتقدت أن أحمد مصاب بمتلازمة التّوحد إلى جانب الانفصام.

نائل العدوان يكشف عن تجربة انسانيّة لا يمكن النفاذ إليها إلا بعبقرية المخاطرة للتوجّه نحو بؤرة  المجتمع مصوّرًا الشخصيات وسلوكياتها الحقيقية وتعسّفاتها، كما سبر في الوقت نفسه شريحة  كبرى من بنى المجتمعات العربية.
لهذه الرواية أفخاخ وهي تكمن في سلّم الانفعال بدرجات الحقد والخوف والهدم الذاتي والإجتماعي حيث نستخدم نحن البشر الأداة اللسانيّة لتنفيذها وللدفع بالآخر إلى صعود ذاك السّلم وللربط ما بين زمن الذاكرة والنسيان، والنفسي الاضطرابي والعقلي، لتقول في النهاية  إن الهوية الثابتة هي المبادئ الّتي لا تتغير بدافع تغيرات الزمن الطبيعية إنما الزمن الكوني.
وفي النهاية نتساءل، كم من سحنون في مجتمعاتنا متّهم بالجنون، أو صار مجنونًا كي يقول الحقيقة كاملة؟

http://www.atheer.om/Article/Index/6550

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق