السبت، 31 مايو 2014

في البال



في البال،


أن نركض تحت المطر بأحذيتنا البلاستيكية القديمة، وأن نُغرِق في ذاك الوحل حقائبنا المدرسيّة،ثم نكمل طريقنا إلى جبل الحنّية كي نشرب من ماء الضحضاح قبل أن تخرج الغولة من كهفها،أخبرتني أمي أنهم أطلقوا على الجبل اسم الحنيّة نسبة للغولة المقيمة في الكهف،تمنيت لقاءها،هربت وتسلّقت ظهر الكهف لعلها تخرج من وكرها لترعبني فلا أعود إلى الجبل،خانني حدسي ولم التقها،كانت امرأة وحيدة نحيلة،تخرج من المغارة بثوبها الأسود الطويل،صامتة،تضمّ ذراعيها إلى صدرها كمن تضمّ طفلها الوحيد،تخبّئه عن لعاب الضّبع المتربّص بجهال الجبل.



شبحها لا يفارقني،صمتها البارد كمقبرة ليلة عيد،على فكرة،أذكر آخر رغيف فطير أكلته في مقبرة كنت آنذاك في التاسعة من عمري وكانت امرأة ضخمة أرخت أردافها عند شاهدة قبر،حين جلست ظننتها ستهدم القبر بمؤخرتها،أمسكت سبحتها الطويلة ذات حبات ملوّنة تصلح لعقد يليق بفستاني وراحت تسبّح للرّب دمعًا،ناحت طويلًا وأنا أراقبها عن كثب، حين تعبت، شهقت ثم أرخت عنقها حتّى تدلّى إلى الأمام قليلًا، ظننتها ماتت،لم تمت، لحظات ثم عادت إلى الحياة وفتحت الكيس الأسود الكبير،أخرجت منه الفطير وكعك العيد،كأن البكاء والنواح ملح الحلوى.



عدني إن مررت بقبري،مرّ بحلوى ،وسكاكر ملوّنة، واجعل قربه أرجوحة للأطفال، كلّما مرّوا هازئين بالموت أغاظوه فتمرجحوا،تقول جدّتي إن الفطائر تذهب سيّئات الموتى،وتكسبنا الحسنة، لا تنسَ الفطائر، فأنا أحبها.


































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق