الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

قراءة في شعر كوثر الزعبي/مرمر الأنصاري




كوثر الزعبي قلم متوتر يتحسس طريقه بحذر شديد،ومن جهة نوعيّة الفكر تتميَّز الكتابة بالثّقافة والبساطة، كاتبة متموجسة بانطلاقات  متحَفِظة وشيء من الأناقة،لوحات  يصعب تحديد ابعادها  تحديدًا أسلوبيًا،وعلى الرّغم من كون الكاتبة محاصرة بالزمان والمكان،فهي تظهر وهي تحاول الفعل حتى لو كان الفعل محض كلمات بخطى محاذرة، وهذا لا يستمر طويلًا، فسرعان ما تدركها سلطة الطبيعة وتبتلعها أو تحيط بها من كل صوب.

في نص "قميرة" صفحة 47 تبدي الشاعرة كوثر الزعبي ما اجتهدت اخفاءه في نصوصها السابقة،ولعلّها أخفته دون قصد،حيث قالت"هلي يا بشاشة الحقل الفريد"وهنا  نلاحظ خجل المفردة في تثوير الفعل حيث حاولت الكاتبة خلق توازن ما بين الأنا والمجتمع بالرغم من أن تفاصيل النّص كانت تحتمل قدرًا أكبر من التثوير،كاتبة يصعب  تحديد طبيعة نصوصها، اذ تراوح  بين الشعر والقصّة،والقصّة الشعريّة"،

تقول الزعبي في قصيدتها "قميرة"
"لا تستحي من أغلالك" نحن نُرغم على الاستحياء مما خلقنا عليه من أنوثة،صوتًا وحسًّا مرهفًا،ومن هيئتنا الّتي خلقنا عليها كنساء،الخ،لذا فإن محاولة الكاتبة هنا كانت تفترض مستوى أعلى من النهوض إلى الفعل.

 "كلمة حالمة" عنوان لأحد نصوص الزعبي،قراءتي لهذا النّص جعلتني أتصوّره في شكلٍ آخر  غير القصيدة،فلو رصفت أشطره الواحد تلو الآخر لخرج منه نصّ خاطرة نثريّة لتمنحه جمالًا وشكلًا جنسيًا أكثر جمالًا منه حين أرغم على التمدد بكلف في برواز"قصيدة".

العلاقة بين التّجربة والحدس هي علاقة جوهريّة،مشبّعة بالحالة السيكولوجية للكاتب،وذلك يرجع إلى تجاذب خاص بين لوحاته من ناحية،ومن ناحية أخرى بين معرفته الحسّية،ولعلّ أهمّ مفاتيح هذه الّلوحات هي طبيعة المرأة فيها وهي الأقرب إلى الصفاء،والإنكفاء على الصّبر والأحلام مبتعدة بذلك عن الواقع الحياتيّ المرير في مجتمعاتنا العربية الشرقيّة أو هاربة منه، وقديمًا أشار العديد من الفلاسفة، وليس الروحانيون منهم وحدهم ، إلى عدم كفاية المعرفة المتأتية عن الحواس وقال ديكارت  : لا تقدم لنا الحواس أية فكرة عن الأشياء كما نصوغها نحن بواسطة العقل"إلا أن الواقعة الحقيقة تقول بعكس ذلك تمامًا،إذ أن حواسها هي الّتي تمنحنا فكرة عن الأشياء وبالتالي نصوغ عنها فكرة،ثم فعلًا،والزعبي في جميع لوحاتها كانت حواسها هي الحاضرة وليس بالنّيابة عن العقل إنما جنبًا إلى جنب.

لم تحرص الزعبي على تقاليد القصيدة ،فضلا عن انتهاجها نهج الوجدانيين في محاولة غزل خيوط الواقع ونسجها في نسيج وجداني يتخذ من عناصر الطبيعة وعاءً لقضايا إنسانيّة وفكرية.
للوهلة الأولى تبدو قصائد كوثر كأنها تقدم استعراضًا للطبيعة، تتخذ فيه عناصرها سلطة مطلقة للفعل، كما نلمح في العناويين عنصرين تقليدين من معجم الوجدانيين،وفي القصائد نقرأ" أغنية  أمطار،بحر،بستان،زهور،نهر،أمواج ،غيمة،سماء ،حلم،النورس،" الطبيعة هنا  هي الحاكمة بسلطتها القسريّة الّتي تجعلها وحدها القادرة على التحكم بالزمن.

ثم تأخذنا الزعبي إلى عالم آخر إذ تنهض بنص "فلة النار"  مختلفة عن جميع لوحاتها السابقة،مفردة،لحنًا،وصورة، ورشاقة،كأن الشاعرة سكبت كلّ أرواحها في هذا اللّوحة،

زهرة
تفجرت
بتنهيدة فجرٍ
صهيلًا..تمرد على مربطه
إلى أينَ تمضين يا غريبة الرُؤى.؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق