الجمعة، 19 يوليو 2013

مسيرة الخروب


من أين لي حين ترحلين عسل أسود.!
لا يمكنك مهما بذلتَ من وسعٍ أن تفقه أسباب خروجها قبل الشمس ترتدي قديدها فتلقم الجبال عطرها قبل أن تجمع الخروب في أكياس بلاستيكية ضخمة،فتتذكّر،أنّ الله أكبر،تعود على عجل من صباها،تصلّي ثم تقوم إلى التّعب،كلّنا نرتّل بسذاجة بعض الآيات كي نتمّم تعاليم الصلاة،إلا هي تسألني أيها إلى رحمة الرّب أقرب.

يا لمتعتي الكبيرة وأنا أرى قطرات العرق تنزلق عن جبينها،وعلى ما يُرام جبينها تمتدّ مدى التجاعيد،أشمُ رائحة العشب المبلّل في كفّيها وهي تغسل قرون الخروب المختلطة بالغبار،كلّما تعكّر الماء بدّلت الحوض،وتعيد الكرّة،مرة ..مرتان...ثلاث مرات بأنانيتها واحتفائها المعهود بالقرون الهلالية البنّية، ثم تتركه ليوم أو يومين منقوعًا بالماء.

وتخرج لنصف يوم آخر،جامعة الحطب،عودًا عودًا لتحصل على حزمة كبيرة كمن تريد أن تشعل جهنّم في موعد الغروب.ثم تأتي مرحلة العصر،تقدحه بزندها قدحًا فيسيل منه ماء بقتامة العسل الجبلي،ترى اختلاطه بلون عينيها الأسود المسروق من عتمّة ليلٍ جائر،وينساب كأزمة انتماء ، مدّ جفاف الريق أنهار حلاوة ،صوتها ، صورتها ، تنهيدتها ،فمها الذي ما لاكَ سوى الصّبر كأنها ملاك تتعبّد ووحدها،مبتعدة عن الأفكار والأحاسيس وجلبة الأحفاد حولها يتراكضون هراء هراء، بأكفّها المداوية تبقى مثل كاهنة لا ترى إلا سجادة الصلاة الممدودة أمامها على التّراب المقدّس،مطمئنة إلى ما بعد حواف السكينة بلهفة الظامئين ترفع رأسها للحظة يتنفّس الكون من رئتيها لتمسح العرق عن جبينها، وليتها لا تفعل حتّى إذا ما خالط عرقها سائل الخروب صار ثروة.

ساحة الدار واسعة إلا أنها ضيّقة في هذا الموسم بالذّات تزدحم بأشياء كثيرة،أواني نحاسية وقوارير فخّارية،حزم الحطب وغربالها ذي القماش الأبيض الناعم بالقرب من موقدها بحجارته الصوّان الثلاثة يعلو اللّهب فيغلي السائل المشتهى بعظيم ونحن متشبّثين بذيل ثوبها،تكرّ بنا من نداوة روحها إلى فضاءات الجبل،حين تصل منتهى مسيرة الخروب منهكة سعيدة،تنتشلني من فائض التيه،فتمنحني سكينة دون ضجيج اللهفة.


سلام على الخرّوب المطمئن في كفّكِ
سلام على التّعب يصلّي بخشوع في جبينك
سلام على أنهر قانية من عينيكِ
سلام على غابات الدّعوات تحجّ إليكِ
يا فتنة الخروب المطمئنة،
سلام على العصافير تزفّ ولاءك إلى السّماء،
سلام عليكِ،على كؤوس جفّفها ترياق السّم
سلام عليكِ
سلام إن غفوتِ وإن صحوتِ،
وإن رأيت خالي في الحلم حزينًا
سلام عليه،سلام عليكِ أمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق