الخميس، 30 مايو 2013

قراءة لغزالة صلاح أبو لاوي"لابدّ من قمرٍ لأعبرَ"قصيدة



لا بدّ من قمرٍ لأعبرَ
للبحر موسيقى
ولي حذر الغزالةِ في ركوب الموجِ
لمْ أخلعْ أناشيدي
ولا أسلمتُ أحلامي إلى ظلِّ الغوايةِ
أو نَسيتُ
فأنا احتفاءُ الضوءِ بالسارينَ
رفرفةُ الطيور على خوابي القمحِ
لهفةُ عاشقٍ كَسَرَ الغيابَ
براءةُ امرأةٍ تحطّمُ إذْ تمرُّ زجاج أخيلتي
فتنهمر السماءُ
أنا الكلامُ
أنا السكوتُ
لنا أن نتخيّل ما المراد من معنى الفكرة الّتي تعبر عنها القصيدة،بل تعدت ذلك،فكان لها تأثيرًا قويًا،وهذا غاية في الأدب،أما كيف ركبت بقعة ضوء منهمرة من شمس أشرقت للتو ظهرَ موجة وأين أفضى بها المَدّ؟هذه حكاية أخرى عثرنا عليها في تورية المعنى" ولي حذر الغزالةِ في ركوب الموجِ"
، لها سيقان غزال تتقافز مرحًا في مرج ابن عامر،تاركة أثرًا جماليًا للمعنى،يتمدّدُ فيكون حكاية فوق القصيدة،وهذا يحتم علينا إعطاء الشاعر حركة ودلالة توظيف صنعت هويّة للنص،مما يضيف إلى النص شيئًا جديدًا مع كلّ قراءة.
 
للبحر موسيقى
ولي أنْ أسألَ المنفى عن الأسماءِ
عن سرّي الذي أعْلَنْتُهُ قبل الولادةِ
عن قطوف الياسمين بقلب عاشقها
يموتُ ولا تموتُ
للبحر موسيقى
وإني ظامئٌ
لا ماءَ في عين المحبِّ
ولا شتاءَ يزلزل الحرف القليلَ
فكيف أطلق عين أسئلتي
وهذا الليلُ حوتُ
وهنا رسم الشاعر صورًا حسيّة،ندركها بإعمال مخيّلتنا،الليل،والحوت،والشتاء،والزلزال،وعين المحب،والظمأ،والمنفى والأسماء."وهذا الليل حوت" تعيدنا إلى فاتحة النص،" لا بدّ من قمرٍ لأعبرَ"، وتحتّم علينا النظر إلى هاتين الجملتين بمنظار يستجيب لإبداعهما، لكن الوقوف الملزم لنا هو عند كلمة ظامئ، فكان هذا الشاعر يونسيّ الإبتلاء في بطن هذا الليل"الحوت" فلا تختلف ظلمة الليل في عين المحب عن ظلمة بطن الحوت،فكلاهما مناط الصبر،وهذا الصبر لا تفكّ طلاسمه إلا حين يتحرر الشاعر من هذا القيد ويطلق عين أسئلته الفياضة في عين حبيبته الّتي لا ماء فيها،وربما يتبادلان الأدوار فتطلق الحبيبة ياسمينها في قلب عاشقها كي تبدأ الولادة الحقيقية فيما بعد.
للبحر موسيقى
نزيفُ الخاسرينَ
زفيرُ أرملةٍ على صدر الشواطئِ
فرحة الناجين من أقدارهمْ
أعمارنا الجرحى
أنين شوارع المدن الكسيرةِ
حشرجات الريحِ
تأتأةُ الخيانة في مواجهة الرصاصِ
مشاعنا
وزعيق من وقفوا على أطلالهمْ
موتى،
ولي أن أخلع المنفى
لأستر عورتي
ضدان نحنُ
وبيننا جثث الحكايةِ
والمدى
وهوىً مقيتُ
وهنا اختلفت موسيقى بحر الشاعر المفترضة لتصبح موسيقى جنائزية اللون،تأخذنا إلى وطن أبعد من السماء ،في دوائر متلاحمة،يفضي بعضها إلى بعض،تحشد الحركة متّجهة إلى ملحمة لتتولّد من تساقط الموسيقى سنابل ضوء،ويستمر في دندنة خافتة مثل طير هدّه قفر الصحراء بحثًا عن قشّة تصلح تأتأة الخيانة و تستر عريّه.
ومن حيث لابد للشاعر أن يلتزم بالحقيقة سواء كانت دينية أو تاريخية،ولأن خطأ الشاعر مفسدة لشعره جاءت " زفيرُ أرملةٍ على صدر الشواطئِ ،فرحة الناجين من أقدارهم"  واضعةً أصبعها على بداية النهاية"حيث يلفظ الحوت ما في بطنه"
ولي أن أخلع المنفى
لأستر عورتي
ضدان نحنُ
وبيننا جثث الحكايةِ
هذا المعنى العميق يذهب بنا بعيدًا في دلالة معنوية،تنثال منها معانٍ اعتمدت على الحكمة فاختزلت قدرًا كبيرًا من تاريخ الإنسانية، فكان الطباق الذي عمد إلى استخدامه الشاعر موفقًا، ليجمع بين الشيء وضده ،فكان هو المنفى وهي الوطن،وبقراءة أخرى نراه نارًا ونراها جنة.
 
للبحر موسيقى
سمعت صراخها في القلبِ
كان الله مرتاحاً هناكَ
وكنتُ أبحثُ عن دمي المسفوكِ
عن معنايَ
أبحث عن أصابع عازف الإيقاعِ
حتى خانني دمعي
وخنتك يا إله الحربِ
خنتك في القصيدةِ

إذْ نزفتُ على طريق الشامِ أكثرَ،
لا أرى في النهر إلا ما تدفّقَ من عيون الشيخِ
نافذتي هناك على المسيحِ
وظلُّ أحلامي
وقلبٌ باتساعِ الغيمِ
إنْ عَطَشاً شقيتُ
مجرّة إشارات  توحي في مخيّلة القارئ دلالات  فوق المعنى،مُهَيأة لأن توظف نفسها في سياق شعري تاريخي،بإمكانات فتح النص للقارئ كي يؤسّس منها أبعادًا دلالية وقيمة إبداعية تفرض علينا استحضار المخزون الذهني زمن التّلقي.
 "لا أرى في النهر إلا ما تدفّقَ من عيون الشيخِ" إن الوجود الفاعل  للقارئ في حالة قراءة هذا الاقتباس يؤكد على استحضار الغائب،وإنه لن يكون عسيرًا استحضار كامل السياق الذهني المحتمل لهذه الجملة تحديدًا،وهي الدلالة الّتي تشير إلى نقطة العبور مانحة الناجين عينًا تطل على وطن هجّروا منه مرغمين، فقصَر الشاعر المعنى في عيون الشيخ.

للبحر موسيقى
فهل في الليل متسعٌ لحُلْمٍ آخرٍ
هل يورقُ المنفى
وتتضحُ السماءُ
وما تشابَهَ من رذاذٍ أو تنافرَ؟
إنّ هذا الليلَ فسقُ
لا بدَّ من قمرٍ لأعبرَ ليلتي
إذْ كلما أنّتْ خطايَ
تقافزت لغتي
فأسألُ
كيف حالك يا دمشقُ؟
للبحر موسيقى
وإني صاعدٌ من أحمري القاني
إلى كَبدي
فإنْ عَميَ الفضاءُ
فما عَميتُ
لأن الموسيقى دفق حسّي  ينفتح على الآخرين فإننا نلحظ تكرار جملة"للبحر موسيقى" سبع مرات تناسلا منها عنصرين أساسيين للقصيدة،هما البحر والموسيقى وما بينهما الرقم سبعة،ودلالته الكبرى الّتي لا يمكن تجاهلها،لتحضر في السياق الذهني  الحروب الّتي دارت فوق أرض الوطن،ودلالته الدينية إلى جانب موروثنا الشعبي"خلف البحار السبعة"و المقامات الموسيقية السبعة،وأبواب دمشق السبعة.

 ختم الشاعر قصيدته بما بدأ به من حيث المعنى" فإنْ عَميَ الفضاءُ،فما عَميتُ" وهنا يحضرني قوله تعالى الآية 46 من سورة الحج " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"  فاكتمل طواف الشاعر،من الولادة إلى أن بلغ الحج.
هذه قصيدة  كانت ملكة وجدانية دفعت بالإنسان إلى أن يتبع هواه،مال بها،فارتقت به حيث أشرقت،وأضاءت  على قصائد الشاعر صلاح أبو لاوي،فكانت شمس قصائده.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق