الأربعاء، 29 مايو 2013

قراءة في المجموعة القصصية "أيام مُعتمة"للأديبة العربية المغربية البتول محجوب


أيام معتمة
 للأديبة البتول محجوب "المغرب"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيث تجري عملية الإقصاء المصغّرة للرأي والإنسان،وهو إقصاء وإن كان - ساذجا- ،وفي رأي البعض "ضحايا صغيرات على الطريق"إلا أنه يظهر "بنمطه" القاتم العريض على صفحات وجوههم،يظهر ليطرح الأسئلة الّتي لا تطرح عادة في الرأي العام.
في اللحظة والمكان المناسبين
وقبيل الانتقال إلى تناول مشهد الكتابة من منظور نفسي فلسفي وبالنظر إلى أسلوب القاصة المضطرب الذي  جعلني أدخل النص من مدخله السيكولوجي للمؤلف خروجًا على النص وانتهاء به.
إن القراءة التحليلية للنص الأدبي يجب أن تكون من مدخلين رئيسين ،المدخل النفسي للمؤلف أولهما،والثاني المشهد الأدبي.وذلك لأن الكاتب لا يصل عمق ما يبدعه  بغير تقمص الشخوص في النص ،وهذه الأخيرة قد تكون ممارسة علاجية للاضطراب النفسي الذي يوقع الأديبَ تحت سيطرته .
فكثيرا ما نجد الرواة يروون مذكّراتهم في نص واحد،أولئك هم الرواة الفقراء رغم سعة المُذكِرة،هنا جاءت البتول لتطرح الأسئلة ولم تكن تقص علينا حكاية عابرة،فما بين السطور أكبر وأعظم من مجرد قصة كادت تكون متقنة العناصر والحبكة،أكبر من صحراء العرب،وأعظم من البطولات المفصّلة على مقاس العقول.
تقول  في نصها"رسائل من المنفى"ص_15 :" تقرأ رسائله الآتية من منفاه البارد بلهفة حرارة بلدها،ولا ترد باللهفة ذاتها،علّه يمل ويدعها بسلام."
 لتطرح هنا سؤالها الأول،ما الذي يجعلك متمسكًا بي ويبقيك في المنفى.؟
تضيف في الصفحة 18:آه كم أعشق وجوهكم الطيبة وأحن لدفء حضن هذه المدينة المنسية ولدفء وجوه بسيطة دون قناع."
ولأن الوجوه لا تفقد حرارتها بسبب ارتداء الأقنعة أو لمجرد تبدل الطقس،إنما لفقدها ملامحها الفطرية،فكأن الكاتبة تسأل السؤال الثاني هنا:أين غارت  ملامحكم.؟
"ابتسمي في وجه شمس مدينتك الصغيرة حين تطبع قبلة دافئة على جبينك لتزيده سمرةفي هذا الاقتباس نسمع صوت  الدكتاتوريات توّزع على الرّعية أسباب الإخلاص،كأنهم آلهة خلقوا الشمس وجعلوا لنا فوق الأرض سماءً لا حدود لعتمتها. إذاً كيف استحالت الصحراء اللامتناهية إلى مدينة صغيرة باردة بعين امرأة دافئة ،أي ألم استبد بالكاتبة ليُقلّص حدود الصحراء ويُلغي لفحها .؟
كلّ شيء تسكنه البرودة إلا الحروف تجد فيها الدفء ذاته الذي تتحدث عنه القاصة في العديد من  المواقف وبواطن الوجع في السبعة عشر نصّا ،ولتضيف إلى عقولنا نظرية جديدة،أن الأماكن تكتسب دفأها من ساكنيها وليس العكس.

 و جاء في صفحة59 إهداء آخر للكاتبة،تهدي النص المخبّأ خلف العنوان وجع تموز :إلى من ابتلعه الغياب وتركني وحيدة أرتشف ملوحة الدمع،إلى رجل رحل قبل الأوان،إلى رجل ثكلته الصحراء،إلى "محفوظ.."

وهنا عثرت على البيان الذي قدّمته لنا القاصة كاشفة عن خبايا النفس في سيكولوجيا النص،تقول:"أصرخ بصوت تخنقه الحسرة والغصة في وجه تموز:ماذا فعلت لك طفلة تأبى أن تكبر؟" نوع من الفصام الواعي للفرد،حيث ينفصم عن واقعه ليرحل إلى ماض عاشه من غير وعي،ربما ليحاول فهم الأحداث الّتي جرت في تلك المدة الزمنية متسلحًا بإدراكه الحالي،ونكاد هنا نشعر بمذاق ملوحة الدمع.

تمتلك الكاتبة حسًا مرهفًا في الكتابة،غير أنها أنهكت السطور بتكرار بعض المفردات في العديد من جملها والذي أفقد بعض النصوص جماليتها،وكي نقرأ مثل هذه النصوص بمسؤولية ، علينا الاستعانة بمحلل نفسي،ففي بعض الفقرات نكاد نستشعر صعقة قادمة للقارئ،إلا أن القاصة في لحظة ما قمعت البوح فخرج بعضه مبتورًا.
إننا هنا أمام قاصة لم تكن حيادية أبدًا،وكأنها كانت تجترح إثمًا بحذر شديد في كلّ نص،مما يعني أنها لم تتخلّص من النزعة العاطفية الّتي كادت تفيض في بعض المشاهد ،وهي ليست سلبية إنما هي وظيفة بنيوية ساهمت في بناء القصة.
من وجهة نظر ومن المبدأ الأنثوي لرؤية الأشياء حيث تتكامل حرارة روح الأديبة مع جنسها،رغم الوعي وقدرة التفكيك الّتي كانت عليها غير أنها أخفقت بتأصيل  مبدأ مركزي لنصوصها وبقيت من حيث لا تدري أسيرة نصها الأنثوي،تحوم مثل حلم تتبخر تفاصيله لحظة تحيط الرجل بحنانها  فتفقد مثل مادة كيميائية إحدى عناصرها،فيكفي أن تقدم بيانًا بذلك يبين جنس الأفكار،بينما كان الأجدر أن يظلّ إطار الرمزية ضبابيًا.

"ناموا في سلام،لن نصالح أبدًا ولن نسامح." هكذا أغلقت أبواب المقبرة في النص المعنون جلاد يحرس شهيدًا ص_99 إلى 103 .
عندما ينجز الكاتب مهمة،  علينا أن نمعن في الصور الأكثر وضوحًا في اللوحة وطرح التساؤلات،لماذا الإلحاح على هذه الصورة  تحديدا،وكان بإمكان القاصة الاكتفاء بنص "أيام معتمة"ص_85 متخلية عن الوصف المطول حول الزنزانة والصحراء ،وعن نساء كثيرات بلا رجال ،منعزلات عن المشاركة الإنسانية في عزاء الفقد.؟ لتفضي بنا التساؤلات إلى الاعتقاد أن روح الكاتبة هنا كانت تجسد النار الراكدة في قلب جميع بنات جلدتها لتنشّط وتشعل اللهب ،تفصل أجزاءها ثم تجمعها في العنصر الذي يعود عليه العمل بالحثّ على مبدأ الحق بالعيش ونيل قسطٍ من الحرية،بحيث يكنّ قادرات على تفسير قيمة وجودهن والعدم،طارحة معضلة الحياة بلغة ناضجة.

بقي أن نقول إنّ العتمة واسم البتول محجوب ابنة وأختا لشهيد، كانت أسبابًا في منع المجموعة وسحب  جميع النسخ من دار النشر في معرض الكتاب الدولي في المغرب للعام 2011،وتم الإفراج عنها بعد ما يقارب العام على احتجازها دون إطلاع القاصة ودار النشر فضاءات الأردنية على أسباب المنع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق