الأحد، 20 نوفمبر 2011

خطاً مستقيما ...



خطاً مستقيما ...


لستُ أدري  أثق فيك دوماً عندما لا يتعلق الأمر  بالحب ، و كذلك لا  أريدك أن تبقى خبرا منزويا في ظهر جريدة ،  فعندي يتساوى الحب الأنيق والحب الفظ في  العنفوان شريطة أن يكون لدى  الحبيبين  ثقافة واحدة ، فلا فرق بين رواد الحانات من تربوا  في أزقة الشوارع المعتمة و ما بين رواد القلوب ، ثمة لحظات سريعة العطب تكون فيها مثل صبي حفته أمه بالتعاويذ و الدعوات و رائحة البخور تخنقني كلما عبر جسر الشرود ، إن كنت تحب التسكع  تتبع خطى السكارى المخمورين من  قارورة عطر مغشوشة  رخيصة ، و  إن كنت من محبي الألم اللذيذ واظب على حضور دروس الفقه في بكاء العذارى  ففيهن  بقية  من رمق ، و أنْهَم منهن ما يمكنك من سداد ديونك العاطفية ، فكلما اقترفت إثما تضاعفت ديونك و لن تقبل لك صلاة قبيل المطر ، و كي لا تشقى تطهر و توضأ كي تجلس إلى سجادة الشقاء فتقيم مناسك الحجيج  بغية ـــــ ( تألم ) .

عبق يجز عنق الكلمات التي استوقفت عند الخطوط الحمراء و الحواجز الشاهقة ،
ملأت الفضاء بحرقة يندى لها جبين الغرباء ، حروف حارقة كــسهام نافذة إلى عمق أعماق الضمير النائم ،
أولم ترتعش الأوراق بين يديك ألما .؟ لسوف أصب مداد غضبي فكن على قدر القراءة خطاً مستقيما لا تهاود لا تهادن السطر إنه يرتدي كيدي و مكابدتي و جنوني ، فكن على قدر القراءة ، 
 لا تصدق من أوهمونا أن زمن الانتصارات ولى إلى غير رجعة ، تلك أوهام عبثية ، أحسِن توظيفها و استخدامها و استبشر  تحرر المقدسات ،
شرع ينظر في الكون العجيب و يفكر في الحياة ، معانيها و قيمها ، و أخذ يعبر عن أفكاره و الانطباعات  التي تركتها فيه الحياة و النظر في عجائب الكون ، سلك في تعبيره سبلا  خيالية جهنّمية ، تارة كان ينظر إلى الأشياء نظرة موضوعية فيضع خطته و ما أن يشرع في العمل على تحقيقها حتى يتوقف متأملا الكون ، و تارة  كان ينظر إليها نظرة ساخرة ، أورثنا  أساطير  مثيولوجية  نستهدف من خلالها خصومنا من  المثقفين و السياسيين و ناشطين في حقول النفط ، كما أنها تعمل على تحطيم كل فرد كما لو أنه كان مزهرية ،
شمّرت عن ساعد و كشفت عن ساق ، أفعى تبدل جلدها كلما تبدلت الفصول ، و حين يزاح الستار سنرى عريها بالكامل . تنكفئ على وجهك في تعثرك ، تسقط في  حفرة تلو الأخرى ، تصعد ثم تتابع المسير في خط مستقيم ، تقول لنفسك : على الأقل إني أفعل ذلك من أجلي .
و ماذا تفعل بالضبط عدا السير  الدائم  في خط مستقيم .؟

سجادة خمرية بلون النبيذ ، يمر من خلالها عرق أخضر تماما مثل أوردتنا البارزة بفعل ضغط الدم العالي جدا أو فقر الدم و التصاق الجلد  بالعظام ،عرابها عود ريحان ، عروشها شرفات الشبابيك ، سقفها دالية عنبها أحمر قطوفه دانية  كأنما يدعوها و تدعوه للقاء قبيل الغروب ، هناك حيث يسكن الليل و تصحو الأمنية ، حينها تملأ  جرتها من ماء البئر ، هل تذكرين ...ماء عذب  إبريق الشاي المعطر بالزعتر البريّ  خبز صاج و صحن الزيت و الزيتون و جمعة كل ليلة .....كيف أنسى ( خيطان الصنّارة ) أول حياكة ،  لحاف شدّته جدتي ، في لوحة تجتر عنقي ، كبرنا يا إمي كبرنا ....و شارع المدرسة ما زال صغيرا ضيقا علينا يا أمي كما أضيقت قلوبنا  ،

ليس غيابك وحده ما يزعجني إنما البحث عن بقايا الهمس في جيوب الليل  هو الذي يوسع حجم المسافات ،و يمتد الغياب كأنه دهر ، هنا يصرخ  الشوق بي  صرخة الواثق  كصرخة هود المدوية ،  يسخر مني تارة و طورا من حماقاتنا ، حينها أجمع المشركون أمرهم ، جمعوا حطبهم ، حنين و مكر و أنين و شوق ،  و في تحد أوقدوا نارهم قذفونا إليها ـ أشعلوا فتيلها دهراً و أجتمع الملأ ينظرون ، إن لم  يمتلئ الكون بك حضورا فما معنى أن تكون ،
دعني أقول لك  اشتقت إليك كلمة لا يقولها إلا المؤمن بشوقه ، ولا يلهج بها إلا المتأكد الصادق في الحب ، رغم أنك قد تسمعها كثيرا ، لكن صدقها له مذاق آخر ، كمذاق السّكر المرشوش فوق  الخبز المقلي ،
يأتيك الشوق كالتهديد لا يعدل قط في تنفيذ تهديداته التي  لا يراها مقصورة بالليل البارد ، تتوالى عليك ليل نهار ، فكثيرا ما تجد نفسك جالسا أمام مائدة فترى أمامك ورقة سجل فيها تهديدا آخر ، و بعد أن طردتُ الهواجس غادرت  تاركة لي اسمك المرسوم على الجدران لكي يحرسني و يدافع عن وجوده الساكن في ضواحي عقل يعيش في نبض التهديد و الوعيد ، حين يكون المرء  قد تعود الاعتماد على حدسه لا على عقله فلن يستطيع التميز بدقة  بعد مدة طويلة من اعتماده الحدس ،
 كن واثقا من المرة الأولى كي تتأكد من أنك ستخلص إلى الخطوة الأولى من بداية النهاية الحتمية اللازمة ،هناك حيث تنعقد فوق الشفاه أغنية ، كلمة شبه شرنقة على الرغم من اشتداد الاشتياق حتى الذهول من المشهد ، لاحظ أن الضباب يزداد كثافة و أن المطر يهطل بغزارة و أن الدقائق تلبس ثوب الخرائب  و استحالت شكلا آخر و قد صمت الكون على اكتشاف سر دفء ذراعيه ، و عن العيون  المذهولة بالمطر شاخصة النظر ، ترقب الآتي من بعيد ، تتحرّش بالطريق و لوعة الغياب كي تبكيك ، فإنك حين لا تبكي تبقى تألم دائما ، و لحظة يذهب بك الخيال إلى ضواحي المخيم و أزقته تدرك حجم الإحباط و مذاق الهزيمة ،فتخرج جراحك  من الأجداث تفوق أجناسها و نظائرها  ، لا حزن لا بغضاء لا رثاء ، قد شاعت لدى من يؤمن بفكرة المضي إلى الوراء  المزينة المزخرفة أن  النسيان يقيم في الحدائق الخلفية للذاكرة ،  بينما المضي قدما يجعلك من المقيمين في أمامية الحدائق المنسية ، إذ أنك  تعلم أننا سوف نموت وأن  هذا باب كلٌ داخله ، و في خبث و لؤم شديد  تتحرّش  بعفويتها الصادقة و سلوكها الساذج  فتزداد عليها جمهرة الباحثين عن إرث الإنسان القديم ،
في غمرة إحساس  بالغربة غير مقفى مثل الشعر اليوناني تنقسم الأحاسيس على هيئة رباعيات تتوحد في  المعنى ، على غرار الإحساس المعروف بالمرسل و المرسل إليه ، تفوق ملحمة الأساطير تنقسم الحكاية فيها إلى شطرين  الواحد منهما ضد الثاني و الأول أعم ،   يأخذك  إلى كثبان من الرمال  خلف تواريها في عوالم النسيان ،
و يبقى كــناسك يتعبد في محراب ذاكرته ، تارة يشعل فيها  الحريق و طورا يضمها إلى الصدر كما لو أنها كانت له بنتا أو أماً ، حبا يتآكل من حروف مفرداته ،كما لو كان سريرا خشبيا مهملا وسط صحراء قاحلة ،

أيها الشقي المضاف إلى شقائي كنت أود لو أن بحوزتي لحظات إضافية أنفقها في تفكيك و تركيب الأطياف المصلوبة على جدار ذاتي ، كان بدوي أن أبقى لاهثة وراء الأسماء علي أعيد نشوة الذكرى ،
و وددتُ لو أنك و أني نفقد ما تبقى من صحوة فنبقى ما بقي تحت المطر ، ، ،  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق