الأحد، 5 أكتوبر 2014

بخّور

بخور

بخّري يا أمي بين فخذيّ لعلّ الحظ التّعس يغادر رحمي الموبوء بالشياطين.
جولي حولي وفوق رأسي بدخان المبخرة،رتّلي تعاويذك البسيطة وتمتمي بأسماء عشّاقي جميعهم،علي،وائل،وعماد،ولا تنسي الحارث ابن عُباد وأكذبي بأسماء من لم أتعرف إليهم.
طوّقيني بخلخال وحدّدي سواد الشامة على خدي وطرف شفتي العليا،سمعت أن الجنّ لا يستجيب سوى لذوات الشامات السود وأجراس خلخال خليع الرّنين.
أساوري الغجرية اتركيها حيث وضعتها حول منفضة سجائري النحاسيّة،بخّري موضع أحلامي لربّما استطعتِ طرد عطره الأزليّ وأثر  القبل النّدية من حشوة وسادتي.
الساعة الآن،إلا أنا،
أكملي ما بدأتِ حتى إذا فرغتِ من التّمائم ردّي عليّ اللّعنة تلو اللّعنة،ولا تهنّي ولا تحزني وقرّي أمنية وسلامًا إن التّمائم لا يذهبنّ لعنات العجائز وإن كنّ مسلمات.
مرّري نظرك وسط الذكريات المهجورة والمهدّمة،حاولي أن تتذكّري الأحداث،وانتبهي،للأسماء تنهض بوجهي ثم تابعي السير في زقاق قلبي الضيّق المليء بالقمامة،ثمّة عاهرة مكحّلة بطريقة رخيصة ستطلّ عليكِ من شرفة قلبي  إذا ابتعدتِ،لها ذقن لا أطول منه رأيتِ ولا أشعث،ومتشرّد بذيء خلفها لا يزال حتّى اللحظة يشحذ موس الحلاقة  بعظمة كتفها الناتئة ويلعق زبر الحديد المتطاير من موسه على عنقها الرّخاميّ.
بخّري يا أمي ورتّلي أسمائي ترتيلًا،من نانا وإيناس وأم رفيق ومرمر وأم لعديّ مات.
قولي في سرّك وإني سوف أعلم،إنها لن تموت إلا قهرًا أو قتلًا،وإني لأعلم أن قاتلها ذئب ملثّم بالسواد،استوطن قلبها ونهش روحها،ومزّق أحلامها تمزيقًا.
لا تخبري أحدًا أنني في الآونة الأخيرة طربت لسماع درويش يردّد"
انتظرها بكوب الشراب المرصع باللازورد
انتظرها
على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا
انتظرها
بصبر الحصان المعد لمنحدرات الجبال
انتظرها
بذوق الامير الرفيع البديع
انتظرها
بسبع وسائد محشوة بالسحاب الخفيف
انتظرها
بنار البخور النسائي ملء المكان
انتظرها"

تمامًا مثلما استيقظتُ قبل عام لأجد نفسي عارية في غرفة العمليات، وجدتني موثقةً إلى ركائز سرير عتيق في غرفة بيضاء سرعان ما بدأت أنازع بشكل غريزي لأحرر جسدي من وخز الإبر وطعم البنج يبّس سقف حلقي،وأطرافي مقطوعة معلّقة نصب عيني ، وحين تمكّن البنج مني، هدأت،ثمّ،حاولت الصراخ لكن العبارة انقلبت إلى لعنات سحاقيّة طفقت تلوط الكلمات على حبال صوتي، و لم يخرسنِ سوى المنظر الأعجب الذي رأيته بعد ذلك ، ثلاثة أرحام يمشون على هيأة أشباح، يتبخترون في مسيرهم،اثنان منهم يحملان جثّتي و ثالثهما يغرز خنجره عميقًا،عميقًا في قلبي،بخّري،بخّري يا أمي،كأنه الموت.

بخّري يا أمي لعل ينبتُ لي عضو راجمًا للضّرب الثقيل وتتدلّى لي كرش مليئة بالشهوات،ذوّبي رصاصة فضيّة في المقلاة ثمّ اسكبيها في طشت الماء فوق رأسي لربّما تكتشفين ذات دوران المشّائين وباء الوحدة المعشعش فيّ ولعنة العاشق الأول وأمنياته معي الّتي حوّلها المنفى إلى شرّ باء بيني وبينه ثلاثين عامًا من الحروبات الباردة،سقطت فيها جيوش أصابعي وكتائب النّبض كلّما تيمّم الغروب ببرد الغيوم عاد الماء إلى حيث أصله وانضبّ الغبار في عين أمنية صغيرة بحجم تسعة شهور من المُهل معذّبات رويدًا رويدا.

وتذكّري، أن كل شيء بقضاء وقدر ,وأن الجزع لا يرد القضاء وأن ما نحن فيه أخفّ مما هو أكبر منه،وأن ما بقي لنا أكثر مما أخذ منا،وأن لكل قدر حكمة لو علمناها لرأينا المصيبة هي عين النعمة،وأن كل مصيبة لا تخلو من ثوب ولا من مغفرة أو تمحيص أو رفعة شأن أو دفع بلاء وما عند الرّب خير وأبقى مما لدى الذّئب.
                                                                                                      "انتظرها
برائحة الصندل الذكرية حول ظهور الخيول
انتظرها
ولا تتعجل فان اقبلت بعد موعدها
فانتظرها
وان اقبلت قبل موعدها
فانتظرها
ولا تجفل الطير فوق جدائلها
وانتظرها
لتجلس مرتاحة كالحديقة في اوج زينتها
وانتظرها
لكي تتنفس هذا الهواء الغريب علي قلبها
وانتظرها
لترفع عن ساقها ثوبها غيمة غيمة
وانتظرها"

-ألا تغارين من النساء،ألا تشتهين طفلًا..؟
-لا يا أمي،لا أغار من نساء العالمين،وها هم الأطفال يعبرون أمامي كلّ عيد وآيات قرآنيّة أتلوها وأتعوّذ من الشيطان الذي يطاردني.
الحب ليس ملائكيًا،لأنه ببساطة يصنع الرّغبات الطغاة والمرارات المقذوفة إلى السّماء،والأمنيات الخبيثة المعجونة بالتّقديس.
يقال ،أن القبل الّتي تداولتها النسوة الممسوسات أشعلن حروبًا طاحنات،والحريق تلو الحريق،تطايرت رؤوس وسحقت رؤوس،بنوازع المغامرين والمغامرات بسرقة الحب في وضح الفضيحة المكلّلة بعقد قران باركته القبيلة ولعنته العاطفة البريئة الدافئة.

لا الفراسة نجّتني ولا أدعيتكِ،فأخرسي صوت بكائكِ،أخرسيه أو دعيني أرحل،أتركيني أنفق المتبقي من العمر أنظّف أزقّة قلبي من الوباء،من طعنات الخيانة،من الخيبة الكبرى،من رؤوس أظافر اللئام العالقة بجدرانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق