الجمعة، 30 مايو 2014

قراءة في مجموعة فتحي الضمور "أبعد من ذلك"



قراءة في مجموعة فتحي الضمور "أبعد من ذلك"

مرمر القاسم - فلسطين

 

القصة القصيرة جنس أدبيّ عريق وتليد في التراث العربي والإنساني. ومنذ وعى الإنسان ذاته ومنذ أن اكتشف قدراته على الابتكار الأدبي اختلق القصة، وأبدع الحكايات، وافترى الأحداث وأحكم نسجها، متفننًا في حوار الناس الذين صنعوها، واقعيين كانوا أم وهميين.

 

وقد تفاوت الناس في حذقهم لفن السرد وطرائق القص. ومن هنا كان لكل فرد سردياته، ونصيبها من الجذب أو الإملال، ومن الإيحاء أو المباشرة، ومن الإيجاز أو الإطناب،وقد كان للقص سلطان قوي على الإنسان، فهو يستهوي الناس في كافة الأعمار.

 

النص مثل  كائن حيّ له وجود وحياة اعتباريّة،كما وله ماهيته الّتي تعرّفه وتقدمه وتعبر عن سماته وخواصه ولأنه إبداع في الوجود الكتابيّ، من يفترض أن يختص بالتكثيف والاكتفاء،طاردًا ما يعلق به من حشو لاحاجة لها ولا دور لها في التعبير،ولا بأس في ابتكار تقنيات جديدة تعين الكاتب على السّرد.

مجموعة فتحي الضمور تلك اللّوحات  الناتجة عن كل ما خبره وشاهده من زاويته الخاصة، وزاد وخرج عن نطاق الاستعمال الشخصي إلى الإنتاج والحاجة إلى التّعبير الأدبي،تظهر لدى الكاتب دراية لغويّة في الدلالة والمدلول علت بموهبة فطريّة وأفكار إنسانيّة عظيمة.

العديد من النصوص الأدبيّة تبدو وكأنها تراكمت وترهّلت في قالب  ذي مساحة ضيّقة،إلا أن نصوص الضمور بدت  مساحتها نقديّة قادرة على استيعاب الفكرة ورأي الكاتب دون الخروج عن شروط الانتماء لجنس القصة أو تداخل أجناس أخرى في عملية السّرد ممثلًا بذلك نضج التّجربة وامتلاك الميسم الفنيّ الخاص للمؤلف.

امتلاء النصوص بالجمل النصيّة المنتقاة بعناية كشفت عن هواجس ورؤى الكاتب الفكريّة والاجتماعيّة نائياً بتحليله خارج المضمون الفنيّ،مبتعدًا عن التنظير الاجتماعيّ والمفاهيم على حد سواء.

هناك تناسب طرديّ وعكسيّ بين فكرة النص ومواد بناء النص،

مما أظهر في القصّة جماليّة من خلال مجموعة مسائل، كالإيقاع والشخصية القصصيّة الإشكاليّة، والحركة السرديّة في السياق الحواري،فهي ظاهرة أسلوبيّة يختلف التعويل عليها بين كاتب وآخر، وهي من أسباب الجذب في أية قصة تتوافر فيها، وكلما اختصر عدد المفردات المفضية للمعنى المكثف تجنب الكاتب كمية المخلفات بين  الاستهلاك والإنتاج.

لم يدعني الكاتب أتخلى عن التريث عند البنى الفنيّة للقصة ذات الطبيعة المرنة، أو بوقفة متأنية عند كل قصة للتحليل والتفكيك والإضاءة، نجد أن المؤلف يدرك تمامًا خطته ويرسم بوصلته بوضوح تام.

وبعد، فإن هذه المجموعة القصصيّة  قد تمثّل إضافة من الإضافات الأدبيّة في عالم القصة العربيّة، تكمل ما سبقَها من جهود أدباء وقاصين آخرين، وتصنع حلقة من حلقات تطوُّر القصة  الّتي راح كتابها يتزايدون، مما يرتب على النّقاد متابعته بروح من المسؤولية والجدية المتوخَّاة.

 

مجموعة "أبعد من ذلك" للكاتب فتحي الضمور الصادرة عن دار فضاءات عمّان الأردن من أجمل النصوص الأدبية الّتي تستوقفك في المنتصف تاركة لك فرصة تضع النهايات الّتي تعرفها أو مررتَ بها،والاجمل بعد أن تتابع القراءة تعتقلك دهشة النهاية الأنيقة الّتي لم تمر بها من قبل.

 

 


http://www.atheer.om/Article/Index/6512

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق