الخميس، 7 نوفمبر 2013

غابة في مرفأ نائل العدوان





مرور متأنٍ بالمجموعة القصصية المرفأ لـ نائل العدوان 


كل مبدع في شتى مجالات الإبداع يحرص على أن يجد له المتلقي الواعي، الذي يتفاعل مع إبداعه ، فلا يبدع المرء لنفسه، كما يزعم البعض ،إنهم يعبرون لأنفسهم ، وان تناسى المبدع المتلقين أثناء الإبداع ، فانه بعد العملية الإبداعية ،لابد له أن يفكر في نوع المتلقي الذي ينبغي ان يطلع على نتاجه ، وبعض القراء يمتلكون الوعي لنقد ما يقرؤون وتتنوع القراءة حسب اختلاف أصحابها وتباين ثقافاتهم ، فالعمل الواحد قد يوجد له قراءات متعددة ، وهذا لا ينفي عنه صفتي الجمال والفن.

حين نختار لوحة لتكون جداريّة على إحدى الجدر في منازلنا فإننا نختار ما يوحي لنا بما نشتاق إليه أو نحلم به،أو ما يشعرنا بما نشتهيه،وهنا كان نائل العدوان في مجموعته القصصية يختار عكس ذلك تمامًا،ولعل اختياره جاء ليقول لنا ليس كلّ ما نكتبه نريد قوله،وقد يكون عكس ذلك،إلا أن اللوحات المختارة لتلحق بالعنوان وتسبق النص وضعت لتؤكد ما ذكرته سابقًا.

قال الكاتب بعض ما أراده والقليل مما نريد قراءته بلغة سلسة بسيطة مفهومة،حيث أنه لم يشتغل على تعقيدات اللغة واختيار المفردة،فلم ينحت الجمل نحتًا إنما ترك لسجيّته حرية شبه مطلقة،وقمع ما غاب عن النص فحضر في ذهن القارئ"أنا".

الأدب الجميل يتناول  الحدث ويدس فيه وعظًا لمحاولة تغيير الجوانب السلبية فيه،الى حياة أكثر إشراقا وأقرب مدعاة إلى البهجة ، استطاع عدوان من خلال  نصوصه القصيرة صقل خبرته في مجموعته القصصيصة مما جعلها  ناجحة من الناحيتين الفنيّة والمعنويّة.

 وفي بعض النصوص يصعب على القارئ فهم ما أراد عدوان أن يقوله لنا.!؟
ولربما كان يتعمد ألا يفهم مبتغاه وأيّ مرمى كان يصوّب نحوه لدى المتلقي،هذا بالطبع لا يعاب على الكاتب،بل يعيدنا إلى طرح السؤال على أنفسنا ،ما الذي نعرفه عن الآخر وعن ثقافته وحضارته الاجتماعية والتاريخيّة،عن مأساته الحياتية،هل سأل أحدنا لماذا نختلف مع الآخر ولا نعترف باختلافنا عن الآخرين.؟!

"أصبح المرفأ مستنقعًا للضفادع"
هكذا قال نائل العدوان في نص "المرفأ" صفحة 50
قد يصبح المرفأ مقفرًا مثل صحراء ولعلّه يزدحم بمن لا أصل لملامحهم فيطفح بهم،ولكن أن يصبح المرفأ مستنقعًا طاعنًا في عمق العفن فذلك تعبير عن شدّة قهر ولعلّه دلالة على درجة السوء الّتي وصل إليها الوطن وبالتّالي المنفى كالمرفأ مزدحم في القاع ولم يزدحم بمن فيه بعد.

القصة باعتبارها  سرد شيء باحساس مستمد من واقع الحدث أو حقيقة ،يجب أن تكون هناك  فكرة  ذات معنى ودلالة ولا تكون جزءًا في أيّ شيء  بلا معنى او علاقة تربطه بألفكرة العامة والخاصة الّتي يدور حولها الكلام وعادة يربط الحدث بالإنسان وفق مرحلة زمنية معينة، وان يتم ربط الاحداث بصورة تتابعية لتجنب الغموض والفوضى السردية.
وكي تصاغ الانظمة السردية الوصفية بناءً على البيئة الثقافية والاجتماعية يؤخذ الاعتماد على السلوك البشري لبناء الخيال والحوار والسيناريو وفقًا لذكاء  السرد الذهني والمعرفي المبني على التجارب والخبرة وهذا ما يظهر جليًا في نصوص نائل العدوان،وبالرّغم من اعتبار  القصة عبارة عن حكاية ذات معنى رغم كونها خيالية او واقعية وهي اما عبارة عن حبكة شخصية او فكرة تهدف إلى احداث تأثير في القارئ  وبالتالي التغيير،فإن أعمال القاص العدوان جميعها حملت ذات الهدف وذات الطابع البيئي"الغابة".
ولأن القصة  تحتاج  إلى موقف واحد وشخصية واحدة لتركز عليها بكامل خصائصها، لتمثل القصة الوجه الحقيقي للكاتب وابداعه من حيث الموضوع والمضمون وفن السّرد فإن الكاتب جعل القارئ يتتبع الأثر ويرصد حركة الأشياء من خلال النصوص السائرة في مسار واحد.
واخيرا  فإن القصة تمثل ايحاء وتعبيرًا غير واضح المعالم يعكس بيئة وثقافة وخبرة ومهارة القاص وبألرغم من الرّغبة إلا أننا لا نصل الى المضمون والفكرة الحقيقية الّتي تدور في مخيّلة وذهن الكاتب في لحظة الكتابة.

ولعلّ القاص أصر على الأفعال المضارعة لكون الحدث مازال قائما والحل لم يخرج إلى حيّز الفعل بعد،وهذا ما يفسّر م علاقة عدوان بالأفعال المضارعة وبأي عينٍ رأى المتحركات جامدة،وأصراره على سبق نصوصه بلوحة مغاييرة للعناوين،جميعها اسئلة يجب طرحها ولو في حوارية قصيرة مع مبدع النص الأدبي،في محاولة فهم ما وراء كلّ لوحة غير ما ذكر في النص، أتمنّى أن يعمل القاص في نصوصه القادمة على التّكثيف بشكل أكبر.
برع القاص في خلق الحيويّة والديناميكية والحرارة في مجموعته، حتى في تلك النصوص الّتي  لم يكن فيها صراع خارجي، ولم تكن هناك غير شخصية واحدة،فالدراما هي عامل التشويق الذي يستخدمه الكاتب للفت انتباه القارئ، وفي ذات الوقت حققت المتعة الفنيّة للقارئ.


السّرد باعتباره  الوصف أو التصوير، كان جزءًا من الحدث والشخصية ومن كل عناصر القصة،كما كانا  نابعين من صميم العمل ولم  يكونا دخيلين عليه،فكانا فاعلين فيه لا مجرد زينة،وإلى جانب الحوار  الديالوجي والمحادثات الّتي دارت بين شخصيات العمل، فهو أحد أهم التقنيات الفنية المشاركة في بناء العمل، وذلك لأنه نافذة يطل منها القارئ على ثنايا القصة، ووسيلة فنية لتقديم الشخصيات و الأحداث والتعريف بها من داخلها.

كما كادت جميع لوحات القاص العدوان لا تخلو من طائر أو حيوان،" كانت المدينة تغلي من القهر على حريّة انتزعت عنوة منها.لا حنطة في البلد،لا حمام،ولا أمل."

ولعلّ عدوان اختار الحيوانات والطيور لمقاربة التشبيه بينها وبين "الإنسان"اليوم متخذًا الانزياح درعًا واقيًا للكتابة ببعض حريّة،وحيث تعاونت تقنيّته الفنيّة مع طريقته في صياغة الحدث، ثم رسم شكل  نهاية العمل الأدبي، لتكبر الغابة، وأيًّا كان ذاك الطّائر فهو نائل بحروفه أجنحة كلام وجوهرة أعماله الفنيّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق