الاثنين، 4 مارس 2013

من "مجانين في زمن عاقل"











من "مجانين في زمن عاقل"

التقينا في مقهى فتوش في حيّ الألمانية، أكثر الأماكن قربا لقلب ليالي وأكثرها أريحية، مكان دافئ رغم قربه من البحر وامتلائه بالذّكريات الموجعة، كانت قد سبقتني إلى المكان، حين وصلت كانت قد احتست ثلاثة فناجين على الأقل ودخّنت نصف علبة سجائر على الأقل، في الفضاء كان يصدح صوت فهد يكن بأغنيتها المفضّلة "لِماذا أُقدّسُ فيكِ عذابي....أحبكِ إنّي أُحبُّكِ سيّدةً لانتظاري، ومغفرةً لجنوني الغريب وصوتاً لناري، فأُحبُّ على ساعديكِ انتحاري".
في هذا الصباح الماطر اللّئيم كلّ شيءٍ تضامن ضدّ أحلامنا، حتّى المقاعد اتخذت لها شكلاً آخر ولونًا جديداً لا يشبهها في بقيّة أيام السّنة، كنتُ أحب أن أرقبها من بعيد، شكلها، لون شعرها الغجريّ الساحل مثل شاطئ عذري لم تطأه قدم عابثة، طريقتها في وضع السيجارة بين الإصبعين، ونفث الدّخان حتى آخر ذرّة، كما تفعل البراكين الثائرة، معطفها الملقى بعفوية فوضوية على المقعد المجاور، نظراتها الشاردة نحو شيء ما لا يُدركُ ولا يُفهم، كلّها أشياء تغري الناظر إليها بالمتابعة، متابعة الدّخان وتتابع الفناجين والدّمعة المخنوقة، وتحشرج صوتها عندما تنادي النّادل لطلب المزيد المزيد وتُدَخِّنُ حَتّى آخر عقب كبريت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق