الثلاثاء، 26 يونيو 2012

جدي




أشعر برغبة للهجرة إلى أعماق أعماق محبرة متمنية أن تمنحني حق اللجوء إلى أقصى قطرات السائل الأحمر لعل أقصو في البعثرة بين القوس والوتر مبتعدة عن الورق المقوّى.


الجوع والأسى مرضعان يرضعان البؤس،الذّل والخنوع حاضنان يحتضنان المنفي،الشبع حاضن الملل،كذلك الأمل حاضن الأحلام المؤجلة،وكذلك عيناك حضانتان تحتضنان الشوق بشبق وترضعان الحنين.


بعد مماحكة حادة الشّدّة مع جدي شربت كأسين ونصف الكأس من ريق رحيقي فخرجت من صومعة السُكر وضبط عقلي،إلا أن المصيبة الكبرى سَكر قلبي.


أمعقول..!

أمعقول حين جاءتك متأخرة بعنفوان اللهفة ترسلها خائبة!
أمعقول ما سألتها في ما تأخرها؟لربما كانت تجمع لك رحيق الزهر وزيت الغار،وربما كانت تلوك ما أسقمها الشوق.

سأظل أختلق للمنفى وعوداً حتى تشتعل مناجم الوجع وحتى مقتل الوجوه المثلّجة.


مدّ اليدين حتى إذا ما طالت يداك قضبان نافذة المساء أمسكت بذيل غيمة شقيّة الدلال،افعل بها ما تشاء،فكل السبايا حلال،وإياك والقُبل إنها خمر الدلال،وقليلها يأخذك ويمضي بك إلى عميق دلال مهلك.


مائة وواحد وتسعون ألف درجة ضوئية.

ليلة أمس عرج جدي من بساتين الدّراق إلى جبال الزهر،قطف من البساتين زهر الدّراق ومن الجبال لملم عبير البريّة.حَدر من أعلى الجبال بحبل من لوافح الحنين إلى قطعة مهرّبة من الجنة،أوقد حطب الغليل عند انتصاف الكسل ثم وضعهما في وعاء من فضّة وسكب فوقهما ريق النحل،وحين آتى أكله سكبه في قالب قلبه ثم قال:هاكِ اشربي.



أنا لا أبحث عن شارع ليلكي ولا عن قصر يمتدّ فيه البرد،ولستُ أنتظر دفئا مزوّرا ولا ذاكرة لحفظ الذكرى الفاسدة،ليست لدي رغبة في عقد لقاء مشروط بموت اشتياقي،وحقيقة أرغب بفنجان قهوة مثل قطع الحلوى،يُبقي مذاقه في فمي لحظات ثم يختفي فجأة ويُبقيني حائرة مشتاقة للمزيد المزيد المزيد من الحلوى.

كل ما كنت أرغب به هو أنت.


يا جدي ليتك تبعث،لتخبره أنني ما عدتُ أبحث عن دثار،وأنني حين أعبر كل الأزقة والطرقات أفقد شهيّة السفر،ومثل كل البؤساء إذا ما استهلكوا كل الوجع فقدوا لذّة الألم.

يا جدي ليتك تبعث،في جعبتي سيجارة أخيرة وفي قعر الفنجان رشفة ثقيلة العيار،ألست حفيدتك؟تعال وأجلس على مضض ثم نغادر معا.


لقاءه مثل فرح الأمهات بالخطوة الأولى،ومثل فرح الطفل باللعبة الأولى،ومثل حصّارة العيد الأولى،ومثل عبّ الكأس الأولى،
ومثل الموت الأول والفراق الأول.!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق