الثلاثاء، 28 فبراير 2012

من "الرواية"



مَن يَتصفّح  المُجتمع الفلسطيني بشرائحه المُتعدِّدة، وفصُوله المُنوعة، يَجد أن أهم مَلمح يُمكن أن تَلتقطه العين، هو مَلمح السّقم، وتَكتُّل الهموم فَوق بَعضها، حتى بَدأنا نَتغنّى بالتّلاحم و نرقص حول نار أوقدها مجانين الزمن العاقل جداً، وأخشَى أن نَصل لمرحَلة لا يمكننا معها العيش دون الجنون ، والرَّاجي عَفو رَبه المواطن البَسيط علي لَيس مُستثنَى من قاعدة المهمومين، فهو أحد ضَحايا الوَلائم، وأسلحَة الدَّمار الشَّامل"السّقم".
وطَالما أن الإنسان يعيش في فلسطين ، فهو يَتنقّل ما بين ثلاث عينات ،ما بين عرس"شهيد" ومسيرة و منفى، فما أن يدخل إلى عُرس حتى يخرج منه بدعوة إلى مسيرة تضامنية ، يَلح أصاحبها مُؤكّدين على الحضور، ومُشدّدين على أن من يَتخلَّف عن إجابة الدّعوة فهو خائن ، ومن شَذّ فهو شذّ في نار التخوين .
وإذا انتهينا من المسيرة والعرس وجدنا أنفسنا أمام الجدار العنصري ، لا يَختلف كَثيراً عن العُرس والمسيرة ، فكلاهما يَتّسم بالكآبة والبؤس ، إلا أن العزاء يَسوده الصّمت والإطراق والتفكُّر ،و الجدار يسوده العجز و شعور مفرط بالقهر.
 ونظراً  لأن الناس تخلط بين مُسمّيات الدعوات والولائم ، فقد أحببتُ أن أدفع زكاة سعادتي، باستخلاص تَعريفات الوَلائم التي وَردت في مخزون الأمم و اللغة، حتى تَكون كثافة السّقم تُساوي الكَثافة الوطنية.

وأوّل مَا يُمكن التقاطه هو الحزن المستعجل، فهذه الوَليمة تُسمّى "تحت الحساب".
أمّا المسيرة أو التي تُسمّى دعوة تضامنية ، والتي أنَا إحدى ضحاياها، لأنني مثل غيري دائماً مدعوة للمشاركة. لا تختلف كثيراً عن الأعراس، وهي إحدى المصائب الكُبرى لدينا لأنّها تَحرق الأعصاب، تسمّى دفعة زيادة" فوق البيعة".

أهل فلسطين أكثر شعوب الأرض يَحتفون بالسّقم ، ويُعدون له طعاماً خاصاً.
و إنني الآن  مُتأكّدة أن آلَافا ممّن يَرتادون وَلائم "أعراس الشهادة" لا يَعرفون اسم الميت،أو من هي حبيبته ،أو ماذا كان يحب ،أو ماذا كان يكره ، أو بما كان شغله في دنياه قبل أن يتوفاه الله.

من "الرواية"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق