الاثنين، 16 يناير 2012

باسم الإنسانية



باسم الإنسانية

القسوة شيء و الشناعة شيء آخر  ، لكن إذا ما التقيا معا لحظة غياب الإنسانية وغفوة ضمير فإنها للحظة غير قابلة للتصنيف ولا للتقدير فنقسو علينا فوق القسوة قسوة .


حينما يسألونني عنه ( حسن )  إذا ما كان شهيدا أم له صفة أخرى أجدني للحظة عاجزة عن إعطاء إجابة كافية شافية ، لكني أدرك أن مثله لم أقابل بعد على مر ما مر من حياتي ، علمني معنى الصمود ، علمني كيف أحشو بندقيته ذاتها التي قتلته  و كيف أسدد الرصاص ذاته الذي اخترق صدره ، علمني و من جملة ما علمني كيف أحب أبناء أمتي رغم ما قد يصيبني منهم  من أذى ، كان يقول : إن شئتِ خيانة أحد فافعلي إلا أبناء البلد إياك.

كان يقولها مدافعاً مقاتلاً في حماس شديد يبعث على إحباط أية فكرة  للانتقام ، كان يحمل إرثا قبائليا و يمنحك فرصة لحفظ إرثك الحضاري الإنساني .


منذ صباح هذا اليوم و صوت الرصاص يداهمني و ذكريات الماضي كلها جاءت تترا ، يستحق وقفات منفردة، ففي ذاك التعيس قمم و معضلات لا يفقه كنهها كل من رأى .


تذكرتُ أني رفعت سماعة الهاتف و طلبت رقمه ألف مرة و يزيد و في كل مرة كنت على قناعة تامة  من أنه لسوف يرفع سماعة الهاتف و يرد عليّ قائلا : ( هلو ) حبيبتي .... و في كل مرة خذلتني قناعتي .


أكثر ما أخشاه من بعد خشية الله الفقد .. تصور أن نصحو في الغد فاقدين أية وسيلة اتصال .. تصور ألا تسمع صوتي و ألا تراني .. و إن سُأِلت عني يقال : تحت الثرى ...! إنه الفقد لا محال .


أُمني النفس أن مازلتُ محتفظةً بتسجيل صوتي له ، كان قد أرسله إليّ ذات حكم قضاه في السجون .
( بعبارة أخرى أضحك عليّ).


جسد بارد  و ثلاثة رصاصات في الصدر ،  دم تخثر بعد أن ملأ الفم ، رفقا بعجزي أيتها الذكريات.


جيلنا كان يصارع لنيل حريته على الأرض و تمسّكنا بالأدب كان سلاحا من أجل نيل الغاية ، لكن جيلكم اليوم يعيش الماضي و يتمنى .

كيف اختلف الوضع إلى النقيض ؟ لن يستقيم الخط إلا إن استقمنا .

مازلت أذكر شكلها تقطع الشارع ذهابا و إيابا في انتظاري و قد جرّح الدمع أخاديد الحنونة   ،  حين أقبلتُ عليها بكت كما لم تبكي من قبل ، فسألتها و في النفس غصة كأن روحه جاءت و خبّرتني ، ما بك من الذي أغضبك ..؟


يجثو الحزن عند رأسي يهمس إلى الوسائد : هذه شقيّة بأمر الإنسانية فلا نوم ولا راحة . 

         
 يراد مني التنصّل من ذكرياتي دون وجهِ حقّ ، و أريد أن أغربل موروثي  و أرغب في إبقاء ما أحتاجه  و أبقى حبيسة ما علمني باسم الإنسانية .




رتبوا الحكاية كما شئتم فليس بمقدوري أن أفعل وحدي ،


ما انتهيتُ بعد ،و ما قلتُ إلا قليلا من القليل  ، و بصراحة أكثر حاولت التخفيف و تجميل الحقيقة قدر المستطاع ترفقا بأرواحكم و وطن ترونه أجمل الأوطان .....و في جعبتي حكايات كثيرة و  للتو بدأت ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق