السبت، 16 نوفمبر 2013

المشدوهون في لوحة خمسة وجوه للفنان عدي حاتم


الّلوحة للفنان العربي العراقي عدي حاتم 

حين كتب السير ميغويل دي سيرفانتس ملحمته الرّائعة "فارس الطواحين"أو كما هو متعارف عليها لدى القرّاء ومحبي الرّسوم المتحرّكة باسم "الدونكيشوت" ظن كلّ الظن أن الناس سيسخرون من روايته والّتي تروي قصّة بطل مهزوم على فرس ضعيفة نحيلة،ويتخيّل هذا البطل الأسطورة ضمن تفاصيل الرّواية أنه يحارب فرسانًا وأبطالًا وهؤلاء جميعهم ليسوا سوى طواحين هواء.


كسر السير سيرفانتس صنم الأسطورة والّتي تحكي دائما قصّة بطل فائز ومنتصر في كافة الحروب فصَنعَ بطلًا في شكل جديد لروايته يخسر ويُهزم،ولا يستطيع حتّى أن يمارس القتال أو الدّفاع عن نفسه.
ودون أن أتطرق إلى عناء حمله لتلك البذلة الفولاذية،لذا فمن المنطق أن نستنتج أن الدونكيشوت عاهة إجتماعية فنّية أبدعها السير فاتنيس ناقلًا لنا الحالة الحقيقية للواقع.
وهنا في هذه الّلوحة الفنّية الّتي أبدعها الفنان عدي حاتم صليوة يصف لنا حالة العراقي بعدد حروب عمره من خلال تكرار الوجه،ذات الوجه مستعينا بتقنيّة عالية لإعطاء الّلوحة"الحالة"شكل الحركة.

وأنا مثل هؤلاء الذين احتفوا بتلك الأسطورة،وكأي بدعة صادمة كانت أو مضحكة فإنني ما أن شاهدتُ هذه الّلوحة والّتي أعطاها الفنان عنوان"خمسة وجوه" للوهلة الأولى خطر ببالي أن أصلبها إلى جدار أسود وأن أجلس أرضًا أحتسي البراندي وأقهقه توجعًا،ولعلّي أغرق وسط هذه الملحمة العراقيّة مع نهاية آخر كأس نخب الصّدمة.

ففي البدء يصدمنا الوجه الأول للفارس يجتهد التّحديق في مستقبل مجهول،ثم وجهه الثاني مشدوهًا بحقيقة اكتشافه لكذبة لطالما عاشها حقيقة،ثم يأتي وجهه الثالث تعِبًا مما اجتهد وشده به،ووجهه اللامبالي والأخير تلاشت بعض ملامحه وبقيت آثار الدّماء.

إلا أن أعداء البطل في هذه الّلوحة الرّواية ليسوا وهمًا  من خيال الفنان كما هيّأ للدونكيشوت، وعلى عكس ما جاء عن لسان السير فانتس هنا كان الأعداء أبطالًا والفارس المهزوم وهمهم المرهق،فتحار من تصدّق، وجود أعداء ليسوا مسلّحين ولا هم مقاتلين،أم فارسًا لم يقاتل.


العمل الإبداعي لا يعني اطلاقًا رسم الواقع كحقيقة فوتوغرافية مفروغ من تصديقها،إنما إخراج المتلقي من تلك الملحمة واخضاعه للمساءلة والتّشكيك فيما إذا كانت تلكم الحقيقة واقعًا يجب عليه تسليم أمره لها وبها،وما هو مدى تورّطنا كأفراد في صناعتها. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق