الخميس، 14 نوفمبر 2013

أوجاع سلامة الحافية\قراءة في رواية للدكتور حسين العموش






من المؤكد أن سـر نجاح أي عمل في مستقبله، إنما هو سـر الدراسة المسبقة الّتي تعتمد على وقائـع وأحداث حقيقية،وأن يكتب الفلسطيني عن حبه لوطنه فلسطين هذا أمر طبيعي اعتدناه،ولكن أن يقصّ علينا كاتب عربي أردني قصّة حبه لفلسطينية ولفلسطينيّته وشغفه بالنضال من أجلها ضاربًا عرض الفتنة بصخرة إيمانه بالهدف الرئيس للأمة ناسفًا كلّ ما سمعنا عنه فهذا شأن  آخر.

سلامة الحافي 
رواية يمكن أن تلتهمها دفعة واحدة،جرعة جوع للماضي وأخرى من حاضرك  لِتشهق إلى مستقبل متواز مع رجالات زمانه،ليست رواية عادية،أو مجرد رواية ماتعة،سلامة، الذكاء السّردي،وعظ،وصراط يُقوّم القارئ المعوجّ،وما لا تعرفه عن علاقة الأردني بفلسطينيّته،عن النّضال العربي،تذكّرك بحديث أمك والجدّات عن شواهد قبورهم في جنين وكوكب أبو الهيجا،تأخذك إلى أحياء ربّما زرتها،وإن لم تكن قد فعلت،لابدّ أن تفكّر بزيارتها لعلّكَ تمرّ ببيت الحافي أو تصادف ملامح سلامة بجلده،بكومة عضلات مشلولة العصب،أو بسلفيت.
ستبدو رواية "سلامة الحافي" للدكتور حسين العموش حكاية خيانة وطنية مدونة بصراحة، التقت  بفصول متناغمة في سيرة ذاتية اعتمدت التدوين وإسترجاع الفواصل الزمنية للوقوف على مراحل متوترة من التاريخ الاجتماعي والسياسي الفلسطيني الأردني. .
تتحرك رواية "سلامة الحافي" للروائي والدكتور حسين العموش العربي الأردني والصادرة عن دار فضاءات للنشر والتّوزيع عام 2013 على مسافة متوازية بين المتن والهامش إلى الحد الذي يتماهى في كثير من الأحيان ما يدخل في باب المتن مع الهامش أو بالعكس. ومثلما قد لا تجد حدثًا رئيسًا  لهذه الرواية فإن ما يبدو هامشًا يؤثر في صنع الحدث الروائي أو تكييفه لصالح عملية السرد مثلما هو المتن الحكائي. وحيث أن العموش اعتمد أسلوب القص أو الحكاية، الّتي تبدو أحيانًا على شكل شطحات أو لنقُل رسالة طويلة وممتدة بين سلامة الحافي النائب في مجلس النواب إلى نفسه، ولكنها في الحقيقة رسالة إلى المتلقّي، الذي عذّبته وأوجعته العلاقة الحرجة بين الفلسطيني والأردني وفي أكثر الأزمنة خطورة، وهي الحقبة التي تلت أحداث أيلول، فإنه سعى لايضاح الأحداث والوقائع وإعادة صياغة شكل العلاقة الأصيلة مع بعض عبر نسيج متكامل غلبت عليه ظاهرا السمة السّردية المباشرة الّتي تقرب من وجهات النظر. دون الأتيان على ذكر "أيلول" ونتاجه المقيت،وربّما كان عدم تعرض الكاتب لتلك الأحداث لكونه لن يستطيع الوقوف على الحياد في النّص،وبالتّالي كان من الممكن أن يخسر ثقة المتلقي.

 رواية  محكومة بتنقية روائية عالية اتضحت معالمها في الفصل الرابع  من الرواية  يقول الروائي حسين "من قال إنّ درجة الشبع لا تعني الجوع عند امرأة يتركها أبو حيدر لعشرة أيام تطارح الحيطان،وتضرب رأسها في خزانة الملابس،امرأة لا تشبع شهوة،جوعها لا ينتهي،مثل نار لا تنطفئ."
إن دقّة التّعبير حين يرافقها الحذر الشديد حول ما يقال وما لا يقال غالبًا ما تسيء لإخراج النص وجمالية العفوية السّردية،وبالرغم من ملاحظتي حول التّحفظ الشديد،إلا أن تحفظ الكاتب هنا أضاف للرّواية متعة إضافيّة فشغفت القارئ بالفضول الّلذيذ ،لذا يصعب علي عدم الالتفات إلى كنه الكاتب وحكمته الّلئيمة في السّرد،إلى جانب حنكته وذكائه الشديد في تلمّس بواطن الوجع الأردني الفلسطيني والعربي،وهذا يحسب للكاتب.
أُخبرُكم وأنا على ثقة ممَّا أقول،مهما تَظاهر أيّ منا ومهما زعمَ اللامُبالاة وعدم الإكتراث فهو يشعُر في أعماقِ أعماقِه بأنَّ العربي في هذه الرواية أشدُّ حبًّا وأكثر لفلسطين،ولعلّه أكثر تصالحًا مع  نفسهِ مِنا، لذا يحاول السَّيطرة على إنفِعالاتِه بتصَرّفات يراها البعض غريبة وقد تفسّر برودًا أو تدرج تحت شعار"اللاوطنية"وهِي طبيعيَّة جدًا بنظر العاقل وكل امرئ سيقرأ هذا الكلام هو يعلمه مسبقًا.

ابن خرابة اللويبدة يحظى باحترام الناس بل ويصل الى "مجلس النواب"
بهذه الرؤية الحساسة والمركّبة يسرد العموش حكاية ابناء الشوارع  والسجون والمساجد وأبناء المدن  في وحدة سردية متلاصقة منتجًا بذلك رواية أثيرة في معاينة النوع الاجتماعي عبر عنوان سلامة الحافي في أجزاء مسرودة بعناية لتوثيق زمنية المكان في الواقع الذي يُنتج مثل هذه الرّموز الوطنيّة والسياسية ومثل "سلامة الحافي" .


وإذا كنا ضمن وضعية الإلتباس الرّاهن،فإننا لا نعلم على الإطلاق ما إذا كانت "شهرة"البعض ناجمة عن كونه رمزًا أو لكونه مفاوضًا مساومًا،فالمفاوضات مفتوحة على فكيّ التأويل وكذلك التّطبيع،كذلك خيانة البعض المخبأة تحت إبط "النّضال،فإن هذه الرّواية توضح لنا الكثير مما خفي عنا،ولم نشأ التعرض إليه.

وبرأيي المتواضع فإن عيب الرواية الوحيد جاء في اسم "ريتا"حبيبة سلامة الحافي،رواية عشق مقرونة بالمعرفة والسرّانية والأسئلة الصعبة،تأسيسًا جديدًا في قراءة الزمكان  عبر ذاكرة مفتوحة على الماضي واستدراج أزمان مجتمعية متعاقبة، يتصدرها أبناء الشوارع الذين وصلوا إلى سدة الحكم ببساطة متناهية ، فلم تعد معيارية الثقافة والأخلاق والنضال سبباً للصدارة الاجتماعية أو الوظيفية السياسية الوطنية، لكن أبناء الشوارع يختصرون الزمن ويقفزون على المكان ليأخذوا حصة غيرهم من الحياة بطريقة المغامرة السّردية المصنوعة بعناية فائقة.
وحيث يعالج الروائي آفاتٍ مجتمعية في المجتمع الأردني بذكاء وحذر حرّض من خلالهما على الطمح بإنشاء مجتمع معرفي لمحاربة الأميّة السياسية والثقافات الإجتماعية البالية وإقصاء مرتزقة السياسة واللاعبين على حبالها، وإقامة منظومة ثقافية تهيء للأجيال المقبلة أرضية وعي مشترك بضرورة تكريس الهوية الوطنية المنفتحة على الهويات الثقافية في المجتمعات العربية،وإعادة الإعتبار للمثقّف المحبط وتقوية دوره الاجتماعي الفعال، وتوطيد الصلة الحميمة بين أبناء الشعب  وإشراكهم في بناء مؤسسات الدولة،مع إعطاء الأولوية للعقل في تشكيل نظام سياسي واجتماعي  يؤسس لحضارة العقل العربي.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق