الأحد، 2 يونيو 2013

غراب حيفا!








للرماد هنا  خاصية أخرى في هذه المدينة،فهناك شيء خاص، حزين وعفوي،ينعكس فوق الأرصفة بحيوية تموّجه  النّاريّ،لاسيما كلّما أفزعه بكاء المآذن.
عند ناصية شارع العراق والذي هو جزء من سوق الحناطير،تزدحم الأرصفة المغبّرة بأغربة تجرجر معها رطوبة الزمن،تحرس أحلامنا الخريفية وحدائق شجيرات الجوري الأحمر والأصفر،و زهر الياسمين تناثر فوق أثر خطى البارود،إلا في أيام السبت تتواطأُ الطيور مع المُهجَرين،ربما لأنها تحتاج مثل جميع البشر إلى أن تشاطر أحدًا بالرماد الذي أثقل أجنحتها،تغادر الأماكن قبل حلول السبت فتغدو الشوارع فاجرة تفوح من بيوتها المهجرة رائحة نتنة وخمر رخيص،لتعود  صباح كلّ يوم أحد كأنها مبشرة بعودة موحدة واحدة،تفتح عينيها على اتساعهما وتقتحم البيوت الحزينة،تتفحصها بارتياب قبل أن تعود إلى مرافقة المحبين بهزال اللذين اعتادوا  اللقاء في مقهى بلكون في حي الألمانية ،أو في مطعم وجوه faces وهو لا يبعد عن مقهى بلكون إلا خطوات قصيرة أقصر من قدح حافر.
في الشتاء المملوء بالحنين تستيقظ الفتنة،فتغدو أشجار السّرو والكينا أضخم وأطول،تسكن قممها الغربان الرمادية،وقد أطبقت أفواهها الضّامرة، هناك في الضباب تلفّق تهمة للبحر بتورّط الغيوم،كانت تنصحني فاطمة،"في هذه المواسم،عدم الخروج ليلًا،فالغربان تنقر الرؤوس لتضع فيها بيض الحزن."

 كنا نسمع صباحًا دوي الأمواج أشدّ قوة حين تنعق النوارس بذعر،والأحاديث تبدو كما لو أنها يمكن لأي خلاف بسيط أن يهشّمها،تزعق الغربان بصوت أجش قبيح كمن مرّت به الشياطين متوعدة بالهول،إلى أن تتحول المدينة برمّتها إلى هيكل عظمي لامرأة كانت جميلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق