الخميس، 24 يناير 2013

الحاسة صفر.

الحاسة صفر

أن تكون حتى كلمة "تكون" لاتطبق على الذين بلا معنى ،وتحتاج إلى معنى لكي تكون،كم مرة زارك فيها المعنى.؟وليس وجه الكاتب أقل شحوبا من وجه القارئ،لأن الوطن شاحب الجسد أشهب التاريخ.

وأنت تعبر الصفحات حرفا حرفا تتخيل الكاتب يجلس القرفصاء في أسفل زاوية من الورقة رافعا نظره إليك منتظرا أن تشعر بوجوده،يداه اِسودّتا من أَثر أخر حرف كتبه، وآخر سيجارة أشعلها ففضح دخانها الذكرى.

لم يعد من كلمات الأنشودة حرف واحد بمذاق الحياة،يقول الكاتب :أنا حذفتها" أو تضحكون؟ اضحكوا أنا حذفتها غصبا عن قرعة أبوكم، أتريدون أن تتحدوا؟! إنّ الجملة ماتت قبل أن تولد، كما كلّ فكرة ثورية نضالية حقيقية حرة،ماتت، أتريدون أن أحضر لكم النوايا الحسنة التي عقدناها؟ نعم إنها معي..في الخزانة..في جيب بزّتي العسكري المشوهة القبيحة ،عفنة،متخبطة،مسودة،وسخة متّسخة نتنة كافرة مكبّلة لاجئة عاقر كثورتنا تماماً.
رواية الحاسة صفر للكاتب الشاعر الروائي العربي الفلسطيني أحمد أبو سليم ،نص روائي بحاجة أن يُقرأ أكثر من مرة لتفادي الوقوع في شرك الخيال،ولكي يدرك القارئ العربي أن الفلسطيني في مراحل سابقة وحتّى يومنا هذا مازال يقاتل على قاعدة تحزبية من أجل أن يقنع نفسه بأن هذا الحزب أو ذاك هو من سيقود الشعب الفلسطيني إلى التحرر من براثن الإحتلال.

 راوية تجريدية غير تطبيقية،والنظرية التي لايمكن لأحد اثباتها ولاحتى سقراط القبيح نفسه يقدر على فكّ رموزها..أتعرفون عمّ تكلم الكاتب؟
يحاول الكاتب بذل قصارى جهده من خلال النص،وأن يثير انتباه العالم إلى محور السقوط الذي سقطت فيه القضية الفلسطينية والذي كان سبباً آخر للتشرذم سابقا ولاحقا.

عنايته بالتفاصيل الدقيقة والتوغل في النفس إلى أقصى عمق،حين يسرون إليه بأن أخاه قد استشهد"وفجأة تدعي امرأة أنها زوجة أَخيه،تصرف كمن زفوا إليها خبر استشهاد أحد أبنائها لتلد غيره في ذات اللحظة فتطلق عليه ذات الإسم، فينسى في خضم اللهفة والآسى والفرح معا أن يبكيه أو يفرح بوريث لأخيه،شخصية مهزومة من الداخل تقتات على الأمل.

هنالك صنف آخر من البشر تعرض له الكاتب،صنف لا يسعنا إلا الإشفاق عليه،أصحاب الشخصيات الإنتهازية المهزوزة ،ركيكة لا ملامح واضحة لها وبلا مبادئ يشار إليهم بها لاحقا،وتلكم شخصيات لم تلقَ تفاصيلها عناية من خلال النص أو حتّى المواقف.

جراءة الكاتب في تناول المتناقضات وآفات المجتمع كانت نقطة تحسب لصالحه،تسليطه الضوء على المفارقات الغرائبية مهمة صعبة تلزم الكاتب الحذر الشديد في المشي بعين وقدم قلم،ليتحسس قدرة المتلقي في تقبل النقد الذاتي واِسقاطه.

غالبا ما يترك الكاتب أثره في النص للعديد من الأسباب أولها "توقيع"بمعنى آخر بصمة حبر تميّزه عن غيره، وثانيها لجعل روح الكاتب في النص حتّى يمنحها حياة كاملة تمنح القارئ دوره.

أين أحمد أبو سليم في رواية الحاسة صفر؟
إنه يكاد لا يظهر ،أو بالكاد نلمحه وسرعان ما يختفي تاركا القارئ وسط الطوفان يغرقه في التيه بحثا ربما عن الكاتب وربما عما يرغب القارئ في قراءته.
في الحاسة صفر بالكاد نشعر بأنفاس الكاتب،كأنما أراد أن يقول بأن الحاسة صفر ما هي سوى الكتابة من الموت،أو أن يكتبنا الموت،حين يشعر القارئ وكأنه يسير بين القبور والأسماء والعناوين التي هي بمثابة شواهد على المواقف والحدث.

شيء ما غير مدرك في الحاسة صفر،شيء ما،ملصقات الرمز وجعله صنما للصلاة علّقت عليه جميع آمال وطموحات الفرد، في حين يغرق الوطن في داخله بالوهم والخيال والهزيمة والنكسة.

غرقتُ بين صفحات رواية "الحاسة صفر" ،لأجد مليون قضية في الحاسة المصفّرة والكاتب يدرك تمام الإدراك بأن الخيبة كانت كبيرة بعد الخسارة،اِنتبهوا جيداً: إننا منشغلون في البحث عن الوطن الَذي في مخيلاتنا،ونسينا أن نقاتل.

الشاعر أحمد ابو سليم , فلسطيني الأصل , يعيش في الأردن، له عدة اِصدارات ودواوين شعرية
*
ديوان شعر "دم غريب" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،
*
ديوان شعر بعنوان "مذكرات فارس في زمن السقوط " عن دار كنعان/دمشق ، ودار عيبال/قبرص للدراسات والنشر
ورواية الحاسة صفر الصادرة عن دار فضاءات للطباعة والنشر  الأردن عمّان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق