السبت، 18 مايو 2013

قراءة في رواية الناجون،للروائية العربية المغربية الزهرة رميج











































الناجون رواية صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع ،عمّان.للكاتبة العربية المغربية الزهرة رميج.

حينما تجد نفسك أمام مرآة تتسلل من ورائها ملامح حقبة زمنية نادرا ما يتطرق للحديث عنها "أبطال ذاك الزمان"الأبطال الحقيقيون،وترتطم بالفهم المغلوط ومقارنات ما بين قانون لينين "بصرف النظر عن الغرائز واستهلاك الطاقة للإبداع،وما بين نظرية فرويد التي يدعي من خلالها أن لكل فعل دافعًا جنسيًا، وأن كل إبداع خلفه دافع جنسي."هنا ملامح تمتد تقاسيمه إلى عتمة الإنسان اليوم تطرح التساؤلات بشكل آخر لتعكس روح النضال والثورة على هذا الزمان،فالنضال ليس مقرونًا بالشهرة ولكي نمحو تشوهات الفكر المغلوط والدمار الداخلي يجب أن نقرأ التاريخ من أفواه المناضلين.

تأتي الكاتبة في هذا النص الروائي  لترمم ما خرّبَ في العشرين من خلال محاولتها رسم وجهٍ آخر للناجين،ففي أواخر الخمسين،أرخت ميلادَ جداول على عتبة الستين،وهنا أيضًا يحق لي القول،أينما وجدت اللغة الأكثر نزقًا وجد الانكسار،كررت  الروائية مقولة تدعونا للتأمل :"للنصر آباء كثيرون،أما الهزيمة فطفل لقيط.!" وبالنظر إلى التحولات الّتي تتمثل أمامنا بنتاج قاصر لا تفي ثوار ذاك الزمان حقهم وتضحياتهم، ولنسأل أنفسنا :كم هو حجم خساراتنا الّتي جعلت منا مغيّبين،وكيف محونا قسطًا من مفهوم النضال الحقيقي في طريقنا المحفوف بالقمع الشرس.؟

تتحدث الرواية عن ثورة السبعينيات من القرن المنفرط،إما لتضعنا على بيّنة من التعديلات الهائلة الّتي جرت على الإنسان بمزيد من التخريب والتجارب الأخرى الّتي أحكم بها الإغلاق على نفسه دون الالتفات إليها بمحبة أو حماس،حالة تثير في النفس القشعريرة الّتي تضرب الروح بمزيد من التخريب،غير أن الكاتبة أثقلت الحوار في نصها ربما لتسهب في سرقة البوح من الخيال في تصوير عذاب الزنزانة والمنفى ،ولأننا لم نترك لأنفسنا فسحة تتأثر بماضيهم سوف لن نتآزر أبدًا مع أي شيء في محيطنا الواقعي الحالي،لنصل في النهاية إلى توصيف دقيق لحال الإنسان المعاصر "الوحدة التخريبية".
سيخونك الحدس  هنا إن حاولت التوصل إلى تناغم بين الماضي والحاضر،فثوّار الأمس كانوا ومازالوا  متمسكين بالمبادئ النضالية وكانوا قادرين على توحيد الهدف في تفان وتضحية بالغالي والرخيص في سبيل أحلامهم،بينما "ثوّار"اليوم يتخبّطون بالدماء البريئة في ظل غياب الهدف المرجو من الثورة والفهم الخاطئ لها،ولأن الخطر المحدق بنا بشكل مفارق،ضربٌ من وهم،القادر على إجهاض أية محاولة للتّغيّر ليتجدّد باستمرار تاريخ الهزائم،ولننظر حولنا، كم من مزاعم القيادة والقياديين وربطات العنق،تقودنا إلى المخازي وجرائم ضد الإنسانية.!؟
على عمليات انجلاء الوهم والقمع المتراكم الّتي صار يعرفها الصغير قبل الكبير منا ،أن تبذل مجهودًا أكبر لتبيّن معالم الطريق،وترسم للإنسانية مجرى جديدًا ضمن مسار التاريخ الصادق وإتاحة الفرص لإبداع الفرد أن يتدفق.
إن تمسّك الفرد بالمبادئ واهتمامه بالهدف الجماعي حيث يعيش ليزداد تمسّكًا مع تقدّمه بالسّن،وبقدر ما ينسلخ عن المشاريع الخاصة الّتي ظلّت تستبدّ به وتشغله على امتداد العمر،بقدر ما يدنو من ذلك الهدف الكلّي الذي ظلّ يربطه لسنوات عديدة بالرفاق القدامى،ذلك الهدف ظلّ يعد أرضيّة  جرت فوق ملعبها أحداث البطولة،حينئذ نتذكر أشياء صغيرة في حياتنا لنضعها مقابل تلك الأشياء العظيمة،ونتساءل بيننا وبين أنفسنا،هل ستكون لنا أعياد ميلاد ستينية كما كانت لهم،وهل هنالك مصادفات خرافية الدّهشة كتلك الّتي كانت لهم،وأيّ مصير منتظر سنحظى به حينئذ.!

 كان ينبغي أن تعمّ ثورة غضب  اجتماعية عارمة كي يطفو  ألئك الأبطال  من جديد على السطح الاجتماعي والسياسي،بكل عنفوانهم وتألقهم،فحين يصيبنا التّغير بحكم مرور الزمن وامتداده ،تغدو تجاعيدنا براهين قاطعةً على حدوث التّغير،وأن هنالك شيئًا ما في قرارة أعماقنا ،وفي المناطق الأشدّ حلكة من كنهه،يظلّ شديد التمسّك بالماضي ،ليمنحنا ذلك قدرة على الصمود في وجه السيرورة التّخريبية،غير أن الحلم غرق في صلاة خاشعة.
تَرِدُ عليّ الآن وأنا على وشك انجاز هذه القراءة وخط آخر كلمة فيها،تَرِدُ عليّ صور بعض الرفقاء وهم يعيشون المحنة،يعانون مرارة الهزيمة والانكسار،والّتي بدت لي حين التقيت بهم أول مرة أقرب إلى نضج الخرائب الطافح على الجلود.

كلمة أتوجه بها  إلى الروائية الزهرة رميج:
ليت  بالإمكان تقبيل الذاكرة الّتي توقظ فينا شجن تلك الحقبة،ويدفعنا إلى جعل مصيرنا القضيّة الأولى والأكثر شرعية في مجموع نداءاتنا المطلبية لنيل الحرية وإعادة رسم ملامح جديدة للوطن.
أجل يا رفيقة مازال يسكن بداخلنا أمل،ورغبة أن نجرؤ على الإقدام بتجارب عميقة في اللحظات الحاسمة، لنعيد نهج ثورة تستتبع نضالًا،غير أني أخشى ألا يتسنى لنا العثور على المخلصين أمثال أولئك الناجين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق