كنتُ أود لو أن الميلاد سبق التاريخ ،
وتعرفتُ إليك قبل الرحيل ، ربما لم أكن لأغير الكثير ، إلا أن فنجان قهوة بصحبتك كان ليعادل عندي كنوز الأثير ، كنتُ أود أن أحدثك عن عكا قليلا و عن جبال الكرمل قليلا ، و عن شارع عباس و حيّ الألمانية قليلا ، كنتُ أود أن أهدي إليك مقابل كل دمعة قرنفلة ، و مقابل كل دقيقة عابرة موعدا آخر و حفنة أمل أو حزمة ( زعتمان ) وربما أدعوك إلى شاي أمي المعتق بالميرمية ، ما كنتُ لأدع امرأة تحبكَ أكثر مني ، و ما كنتُ لأسمح لأي منهن أن تنافسني على عرش الوطنية في غابات عينيك و أهدي إليك وشاحا من شعري كي تكتشف بنفسك فصول الربيع و تتعرف بعبير جبال الكرمل و ربما يا رفيقي كنتَ ستتركني أضحك قليلا و أبكي كثيرا و ربما كنتُ لأدعي أني حيفا أو فلسطين كلها كي تحبني و تحبني وحدي كثيرا ،
ما فكرت يوما في شراء مظلة ،
ربما لأني لا أخشى البلل ، وربما لأني لا أرى في المطر خطرا يوجب الاستظلال منه ،
و لأني و المطر جمعنا ما بين الألفة و الغرابة و جعلنا تقابلا ما بين السماء و التراب ،
و ما بين فضاء السعادة و الشقاء ، و أقمنا مقايضة ما بين الحاضر و الذكريات ،
نعيش في إبهام و إيهام تخيلي ، تتمظهر الأحلام فيه أمامنا كــالبحر.. كـــالزهر ..كــالجبال .
و هذا العام أيضا لن أشتري مظلة ، ففي حوزتي كمشة أمنيات .
لم أصدق عيني ، و لم ألتهم وجبات الهجر العنيفة ،
و لم أتصور أن رؤيته خاصة في حالاته النارية المتفجرة الناضجة النابضة بالحياة ، قد أخذتني إلى خيالات فذة و حكاية قديمة قدم شجرة الأرز ، وقد دفناها قبيل غروب الشمس ، ما الذي جاء بك إليّ اليوم ، ما الذي أعاد الخطى إلى الحارة و شوارع أرهقتها خطانا ،؟ أطيف شجوني أنت أم تراك جسدا من الشوقِ شفَّهُ الحزن و تهدلت شفاهه ، أجئت تتلذذ برجفة اللهفة ، ما عدتُ صبوة و ما عادت المقاهي مأوىً لنا.
و تتمظهر هذه المنهجية في توظيف مجموعة من الأفراد تتقابل وجها لوجه مع السيناريو و التنفيذ ، بنظرة سريعة لاستخلاص القواعد البنائية التي تتحكم في توليد السيناريوهات و التركيز على المعطيات الشكلية على الصعيد الخطابي و الفعلي ، التي تؤطر الشكل الظاهري الذي يظهر عليه أفراد المجموعة المنفذة لمنهجية التوظيف ،
نجد أن :
لا إن في الموضوع ، و أن من وضع هذه المنهجية إنما أراد من وضعها ممارسة بعض البحوث و الدراسات حول تقلبات الفرد من و خلال تطبيق السيناريوهات ، مما يعني أن النتائج الحتمية ليست مضمونة مئة بالمئة حسب ما وضع في السيناريو إنما حسب ما يُقره الفرد منا ، و بعبارة أبسط أنّا مخيرون في الأمر .
في البريّة ، تلتقي الريح و عبير الصنوبر بعناق ، لف حبل مشنقة حول عنق الرياحين كأنه خاتمة الأعناق ذلَّت له رقاب الزهور ، وأنا أراقب من بعيد همس العصافير من على غصن شجرة بلوط معمرة ، تقشر جذعها و أثقلتها جوزاتها ، كأني قرأت في العينين نظرات حائرة و بقايا حزن عميق ، في البريّة تتقابل كل الأشياء عارية من كل شيء إلا من شبق ينهمر ببريق يتلألأ ، و كل الأصوات حاضرة كأنها ترنيمة واحدة تتوحد في الأداء و في الغناء ، بما فيها من غزارة ، في البريّة وحده هدير الماء يراقصني و إن كنتُ جالسة فوق صخرة عصماء .
ملأى الحياة ، و أنا الفارغة كما القَصَب ،
تنوعت ثقافة المفاتيح في حين طرحت الأبواب فوق أرض الجراحات ، تنوع التهجير في حين ازدحم المنفى و اعتزم البقية الرحيل ، قد طبقتُ المنهج الأساسي بآلياته الشكلية ، بيد أن هذا المنهج أظهر اليوم مدى قصوره وأحادية مراميه، لأن الواقع العلمي الحالي يفرض علينا أن نجمع في شخصياتنا لكي تكون علمية عملية مقبولة بين أنا الداخل والخارج وما بين الأنا الخارج و الداخل ، وبين الحب والمرجع ( المحبة ) ونرى أن المنهج التكاملي لحالة الحب الذي تفتح على المنهج و المقاربات بين شخصياتنا و الأنات أفضل بكثير من الشكلي الفردي الذي لا يبالي بالمعطيات السياقية و يغض الطرف عن واقع أناه و أنا الطرف الآخر ،
ربما مكّنك الشعر من الرّسم ، لكنك أبدا لن تستطيع رسم هذا الفراق ،!
فارغة كما كأسك ، فمن فضلك ابتعد إن الحمل ثقيل فلا تثقلني بك .
صباحا كما حبات المطر ، يداعب نسيمه الشجر و يترنم ، يومي إليه إيماءً برفيف أغصانه أن يزيد كي يحف الروح حفا ، و تجتمع العصافير على وقع الآهات ، إنها تغرد حزنا و بعض فرح على من في الأرض ، صباح يميس كــ عروسنا الشرقية بغداد ، صباح يرفل بثوب الكرامة و يتبختر ، مرخى على وجهه لثام العروبة ،
كما رعشة أول الدفء ، كما أول الهمس ، و أول ضحكة و أولى الخطى ، كمـــــــــا زخات المطر تطرق جمجمة رأسي الأجوف ، لا تسيء إلى الغياب فهو من سبب العتاب ، لا تجرح السهر لا تلوم الليل ففيه التحف انتظاري و يدفئني ضوء القمر ،
إن الوله نال من العقل و حرّقته شدة الوجد و أنت قاتلي و الواقف بيني و بين أنفاسي ، و موعدي المؤجل لذات نهاية .
مر هنا و برفقته بقايا رعشة مغفرة من بعد خطيئة و توبة ، يقف بين أنفاسي و بيني ، فيفقد الأشياء توازنها ، و في تمام الصدق أيقنتُ أني لن أعشق كما ذات حمق عشقت ،
و ما قطعتُ و لا مزقت وردة ، ولا فكرت في الأمر البتة ، لا ولا فكرت في استئصال حبل الوريد ما بيني و بين الأمل ، للزهر أيضا ثقافات و ما راهنت يوما على حب ، و إن تقطيع وريقات الزهر رهان خطير .
يزحف إلينا بثقل لياليه الطويلة ، يحمل معه فوضى ذكريات جميلة ،
إني أشعر بها الآن و أسمها بين الحلق و اللسان ، اشتقت إليكِ يا حزينة ،
يا ذكرى نجلاء كــالمعاليق علقتُ عليك كل الأماني ، و تشبث قلبي بها كــتعويذة خوفا من أن يصيبني كيد السحرة الخائنين ، يا عنقود عنب أسود ، يا قَصَب السكر بين الشفاه ، يا حبة هال فوق سطح فنجاني ،هل أخبرتك سرا عما أخفيه عنكِ وعني ..؟
دعيني أهذب القول و أؤدبه ، أحيانا يا بنيتي يغلبني الظن أني لستُ قيد حياة ، و ما من شيء ينزع عني هذا الظن سوى أن أغتسل بالمطر لأن المطر وحده يغسلنا ولا يذيب آثار الألم ،
أحب فيكَ كيفية النظر إليّ ،
و إن مضت أخيلتي ، لن أنزع عنك محبتي ، و كي تقر عينك ولا تحزن ،
كلهم عابرون لا يستحقون الذِّكر ، محجوب عني و عنهم قلبي ،
و كي يعتق الضوء حلمي المسلوب ، على جبينك الشامخ ينبت الصبحُ ضياء المجد .
ممشوقة الظل هذّبها البعد ، و يشتد في حضورها الضوء ، تسري في أوردتي كـمسرى الكسل ،تنتزع الخطى في وسط الطريق ، و تلوك انتظارها كي لا يقف في الحلق تحتسي خلفه ماء العمر ،أنثى ضالع كيّسة في سد رمق هواك ، تقتات من نظراتك المشتهاة ، فانبجست من غيثك اثنتا عشرة أنثى و أغنية ، و في الليل تهدهد لجَّة الخوف .
ماذا نفعل بـــ النائبات ضبحا ، التاركات فينا قرحا ؟
لا موطن لنا في هذا العالم الأنكد و ليس في ذلك جدل ،
لا موانئ نرسو إليها و لا قشة نتشبث بها من الغرق ،
في زمن الإنحباس الفكري ، تنبجس اشعاعات يشفق الفضاء منها ، إلا أن الجهولا حملها ،
كي نُحب كما يجب أن نحب علينا التحرر من الحماقات أولا ، ثم نعيد ترتيب غرف القلب ،
ونتأنق ، لأن أناقة المرأة تبدأ من القلب ، و كي نستقبل اليوم حبيبا في أقصى اليسار لابد أن نضبب كل ما بحوزتنا من أسلحة مشروعة و الغير مشروعة كي نلزمه لزامه ،
قد نمر بلحظات حمقى ، غريبة لكوننا غرباء عنا و عن الآخر في آن ، قد تصل الأمور إلى ذروة الجنون ، قد يتطاول النظر ، فيطال و ينال منك ، قد تنتهك الحرمات ، و تستبيح المحرمات ، قد نتهم اللحظة الغابرة ، والتي هي عابرة ، و الحقيقة أنّ الذنب ذنب غياب شيء و حضور آخر ، حينها يتوجب عليك أن تكون أقوى الناس و أشدها بأدب ، لكي تأدبك و ترجُمُك ، وترميه بحجر !
لا يخدعنك صمت فقد نخفي خلفه الحمم
و لا تحسبنا نصمت على كل الزَّلل
لا ولا تُحدِّثنا عن القيم فإن لنا فيها باع و ثِقل
علمني ،
إن شئت أساليب القتال ، أو إن شئت كيف نمارس الموت بغباء ،
علمني كيف نمارس العشق بجنون ، أو كيف نتوب .!
إذا ما ضيّعنا الدروب كلها ، ففي القلب عنوان لا يضيع أبدا .
أيها الساكن مرآتي ، تحسس اسمي المخروط على لافتة مصلوبة بين الكتفين ،
ستجد أن أصولي تعود إلى ما قبل الحضارة و قبل التاريخ ، ستدور و تدور و ستعود بك إلى عنواني .
حين نعيش على أمل الاحتمال تصير كل الأشياء محض خيال مؤلم و جميع المواقف قابلة للصرف والضرب و الطرح و إن الحسبة برمتها ضيزا ، حين ننظر إلى الأمور على أنها محض خطيئة حدثت و علينا تداركها فإن من الحمق جداً أن نحاول التخلص من آثار الجريمة ، كل ما علينا فعله هو أن نخبئ جرائمنا في جيب الحمق فهكذا فقط نكون منّا براء و تُقيّد الملفات بأسماء مجهولة الهوية ،!
تعب حد الوجع ،
ثار حابل الشوق على نابله ، و قطّع الجفاء أوتار الوصل ،
من ذا الذي ينتظر شروقي ، و من يتأمل غروبي ،
و طريقي يستند إلى خطوتين أساسيتين ،هما التفكيك و التركيب ،
إنها لعبة الاختباء يا وطن ، نمارسها حتى الملل ،
لم يكن منتبهاً لمَ يدور من حوله غارقا في صمت ،بينما حضرت بضياء تداعب تفاصيل الوجه و ملامحه و الصوت المتشنج ،جاءتِ الريحُ من القرى المجاورة كأنّها لم تنم ليلتها ، و جَعلت تسألنا إن كنّا نريد الذّهاب مع الحمام ، لكنّا نمنا في أماكننا بعد أن أمدّتنا الريح بحشيّة أخرى و بطّانية قديمة ، خلد الجميع للنوم في حين ظلّت الريح مستيقظة للصلاة .
تحية في زمن الزيف لــك يا غسان كنفاني ،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق