كتاب الغربان
الكتابة عن الشيء مواجهة حية ومباشرة يحاول الكاتب من خلالها التخلص منها بأساليب وتقنيات أدبية لجعل ذاكرته أقل اتساخًا وبالتالي تتيح له تقديم ذاكرة أنيقة للقارئ.
وحين يكون الكاتب نفسه ناجٍ من حرب ما في مواجهة مع ذاكرته يكون من الصعب انتقاء مفرداته الحربية التي يكتشف تطورها السريع خلال الكتابة عنها،لا سيما أن
أثر الحرب على الأدب يلعب دورًا بارزًا في طور صناعة التاريخ الإجتماعي النفسي للفرد وصقلها لتعطي طورًا وشكلًا جديدًا للرواية العربية.
ما قبل الحداثة نجد أن أغلب النصوص تحاول خلق بطولات وهمية نرى أن بعضها كانت محاولات لرسم شخصية أسطورية لاحقًا تحولت إلى رموز للشرف والشهامة.
ولكن، كتاب الغربان جاء على شاكلة متحف ومعجم حربي معنون ب
للكاتب الفنان التشكيلي عدي حاتم تجتمع فيه المقومات الأدبية المثيرة للدهشة والرعب في آن معًا.نقرأ فيه مشاعر الأسى لتلك الأرواح التي أزهقت، ومن خلاله نرى آثار الدماء التي أريقت في النصوص الأدبية المرفقة بلوحة من لوحات الكاتب.
تلك المآسي والآلام يعبر عنها عدي دون أن يفرط في الشرح أو خلق ملاحم وهمية.كتاب جمع فيه ذواكر وكتل مكومة على هيئة نصوص وحوارات تراجيدية غير نمطية.
فحين تصبح النجاة المتكررة من حقل ألغام نكتة سمجة تثبت نظرية تكرار الشيء يبطله.
في الحرب تنسى ما تعلمته من مفردات لبقة وكل مفردات الحب،وتمحى تماما مفردة السلام كأنها لم تكن،تنسى مصطلحات ومرادفاتها كالأخلاق الحميدة، الأدب،الإنتظار،آداب المرافق،حسن الظن،الجار للجار،وهذه الأخيرة تجري الحرب عليها تعديلًا جذريًا لتصبح"الجار على الجار"
ظاهرة الخوف المزمن من إفرازات الحرب ،يثيرنا كبشر مع كمية الأدرينالين الهائلة التي تفرزها الغدة الكظرية المستفزة في قحفة رؤوسنا من أجل تحفيز واستجابة الجسد لصراع البقاء،الغريب في الأمر أن الإنسان في مثل هذه الحالات عليه أن يستنهض كل خلية في الدماغ البشرية كي يفكر بالهرب من أجل النجاة إلا أن العكس قد يحدث ،ينقبض القلب وتستفز أعضاؤه ليصبح حيوانيًا يضاجع أي شيء متحرك ويفرغ فيه طاقة الأدرينالين لتنجب الحرب أطفالًا مشوّهين بالشيخوخة المبكرة.
الغربان نصوص للكاتب العراقي الفنان التشكيلي عدي حاتم كتاب في تسع وثمانين صفحة،الصادر عن دار سرمارتا العراق،يضع الكاتب بين أيدينا حالة تنزّ دمًا لها عيون مصابة بالهلع محشوة بالبارود ،ولها صوت أيضًا يذكرنا بمقولة ليوناردو "لا يمكن أن نحب أو أن نكره شيئاً إلا بعد فهمنا له" وهذا ما حدث للراوي عدي حاتم.
كما أنه يذكرنا بأسلوب الكاريكاتير ناجي العلي وأيقونته الشهيرة"حنظلة" حيث كانت تنشر رسوماته في الصحف مروسة بكلمات قليلة ذات بعد عميق جدًا.
هذه النصوص تشكل حالة نفسية لفئة معينة من الناجين من الحروب،وليس جميعهم، فالأرجح أن الجندي وإن خرج من الحرب بعقد نفسية لا يرى ما تراه الضحية رغم أن الجند ضحايا محتملين.