الخميس، 31 يوليو 2014

حاويات_مونودراما

نص مسرحية / حاويات مونودراما
تأليف مرمر القاسم

ملاحظة :كنتُ قد تحدثت مع أحد الممثلين المقدسيين لأداء الدور الرئيس ،وكنّا قد تناقشنا حول البيئة المسرح وكيفية بنائها،وتناولنا جوانب عديدة في هذا النّص،ومع ذلك أعرضه على الجميع لعل أحدًا يعجبه فيقوم بأداء المسرحية إن راقت له.



الشخصيات
الرجل سعد
صوت صاحب الأنوروا
الوقت: الفجر..ضوء خافت وكأن الشمس تختبئ خلف سحابة،يسقط الضوء على سعد دون أن يظهر وجهه كاملا
بيئة العرض
طوب مرصوف على شكل قبر مليء بالرمل وأسفله صفيح،حوله خيش كي يبدو المكان اقرب إلى حفرة كبيرة،المكان محاط بأكوام النفايات وخيم بالية أو سقائف من الخشب وبعض البطانيات الممزقة التي تحركها الريح، ودون انتظام تمتد حبال بين حاوية أو سقيفة، معلقة عليها ملابس مختلفة الألوان والإشكال..علب صفيح منتشر  بشكل عشوائي وكأن المكان مهجورا.
سعد:(يخرج من الحفرة وهو يجر خطاه بصعوبة وبيده كريك وفأس..وما أن يخرج يدخل رأسه إلى حفرة ثانية ومن الداخل يسحب تراب ويلقيه إلى الخلف)

"يقول بعصبية" اليوم لازم آخد قراري
"ينثر التراب إلى الوراء" ما تركت شبر من هالمخيم إلا ودخّلت كريكي فيه أولاد العرصات اللي كل واحد فيهم باطلع فيي بقرف وبقلي إكرام الميت دفنه،مضايقتهم ريحة الموت اللي عبّت المخيم وكأنهم هالكلاب عاييشين.بس الله بعرف قديش تعب هالكريك من الحفر وقديش عفّر راسي تراب وحزن.
"يتابع الحفر بعنف هذه المرة"رح أدفنك اليوم وأنهي كل هالعذاب .لازم تكون إلنا نهاية ودفنك أكيد إله نهاية،بس شو أعمل كل ما حفرت بتطلع لي نبعة خراء،

الصوت صاحب المؤن( نسمع صوت شاحنة كبيرة تروم الوقوف قرب مكان الحفر ثم نعيق حمير يملأ المكان وزحام الناس حول المؤن نساء يزاحمن على دورهن وبعض الرجال يحاولون تهدأة النسوة)

وقت توزيع المؤن محدود وبعد شوي رح تمشي الشحنية


 (يخرج رأسه ويتوسط خشبة المسرح..يحاول الحفر في الأرض أو يهيل التراب على حفرة قديمة)  

(تراب يملأ المسرح وصوت )إكرام الميت دفنه

رح كمّل حفر حتى ينتهي أو أنتهي    
بكفيش نحنا مرفوضن كمان أرواحنا لازم أدفنك اليوم.!!!


   صوت سعد:(كشف بسيط إلى بيئة العرض..نسمع صوته من داخل الحاوية) نكبونا ،نكسونا،شحدونا،جوعونا لعنو طعريص أبونا أسولونا وخوّنونا باعونا لريفر وشحدونا ،رمونا لكامبديفيد  ونسيونا،ضيّعونا فطريق جنيف وشحار لبسونا قسّمونا بخارطة طريق وشرخونا وبطيز الربيع العربي حشونا.
"برهة،صمت"
صرت أحكي مع حالي،جنون هاد وإلا مو جنون يا حورية.؟ (يطل برأسه)،وإلا مهو كل ما حكينا كلمة بخونونا،ممنوع نقول لأ،ممنوع اللاجئ  يتنفس ممنوع نحب ولكم يا أولاد القحبات حتّى الشغل منعو.
(يتلفت يمينا وشمالا)الظاهر كلهم راحوا يستلمو المؤن

(يلتفت إلى الحاوية ويبكي) المهم يا قلبي رح أدفنك  اليوم، وانهي كل هالعذاب، لازم تكون إلنا نهاية،ودفنك أكيد إله نهاية

 (يضرب الأرض بالكريك بقوة) ممنوع مية المجاري توصل لقبرك،

((بحزن بعد أن يجلس على الأرض..يخرج كيس تبغ من جيبه.. يلف سيجارته وأثناء هذا يتحدث مين ما اترجيت لحتى يسمحولي أدفنك بقبر لحالك،من المختار لمسؤول الوكالة لموظف منظمة الطعريص،بُست رجليهم يا حوريّة يفضح خواتهم ما رضيو أولاد السفلة مفكريني قوّاد لحتى ارضى تندفني مع غربا بقبر واحد.

 (يدخن ينفث الدخان إلى الأعلى.. بحسرة وبهدوء يلفظ كلماته)كلهم اعتذروا،كل واحد خاف عاللي بين رجليه لينقص،قال آسفين ماكو أوامر،وَلِك حتى الموت صار بده أوامر وكل عشرة حطونا بقبر،عملو فينا متل لولاد لصغار ركّبونا هالمرجيحة وهيلا هب مرة شمال مرة جنوب مرة شرق ومرة غرب لحتى بطلنا عارفين مين نحنا وشو نحنا ومن وين جاين ولوين رايحين.

 ماكو أوامر (يقلد صوت مسئول المؤن) رح يذبحوكم بالطريق

يذبحو مين يابا،إحنا هيك هيك ميتين.

(تكون بين يديه،يسجيّها على خشبة المسرح،ثم يعاود الحفر)معه حق ،طريق البلد خطرة ومش كل مرة بتسلم الجرة،هديك اليوم راح إبن سالم العلي،رجع ميت بس الله ستر عينه الرصاصة إجته فوق الحاجب بشوي، وإبن موسى الطالب بقروا بطنه بقروا بطنه يا حورية وحشوه تراب ،سامحيني يا حورية سامحيني،ملقتش غير هالمطرح يلمك ويستر عليكي بغربتك.

 (يعاود الحفر )والله  يا حورية ملقتش غيره يضمّك بأمان بلكي بيطلع أرحم من قراراتهم.


(ينهض..يدخل في إحدى الحفر ومن داخل الحفرة يرمي علب السردين وصفائح السمن وخرق بالية إلى خارج خشبة المسرح )إسا رح تحسي بالدفا إنهد حيلك من خيمة هالمخيم التعبان.

 (يخرج رأسه بهدوء وهو يتحدث يتمدد بجانبها)بتذكري لمن كنا نتسطح بالهخيمة،نلزق ببعض،ندفي بعض ، تشكيلي وأشكيلك ،ونحكي طول الليل،بنذكري لمن إجيت على بيتكم وأبوكي لحقني بالحجار ويصرخ علي"ولك يا عكروت شو جابك.؟"و شو كنا نحلم بأكلة  مجردة ابرغل،ولمن نتذكر إنه ما عنا زيت زيتون نتعب وانام بالجوع ، قديش إحلمنا بشي يوم نرجع عالبلد ونخلص من وساخة المخيم.  
"صوت البيانات،ثم بين كل بيان وبيان أغنية "طل سلاحي من جراحي يا يما طل"
يرقص سعد بهستيريا،ويضحك كالمجنون،يا سلام شو انبسطتنا،وإنهزمنا وبدل ما نرميهم في البحر يا حورية عملونا أكل للسمك وطعمونا سردين العار،وطل إصباعي من جرابي يا يُما طل .....


(يلف سيجارة ويدخن ،يبكي بحرقة)أكيد لما تجوزتيني مكنتيش تتخيّلي آخرتك تفتشي عن قبر حقير.


(يخرج تماما من الحفرة..يجر خطاه بصعوبة وهو يتجه إلى الحاوية..يجلس إلى جانبها)كنتي معي الروح اللي بتسمعني وبسمعها ،أطلع فيكي وتطلعي فييّ،ولمن أرجع من المُؤن تلاقيني ملاقاة إمي الله يرحمها،كنتي تغني لي مرحبا طلو الفرسان "طلو،جابو السردين وعالجوع انتصرنا"

 (برهة..وكأنه يتذكر وبحزن) يوم عرسنا كنتِ ترجفي من البرد وانتي بين اديّ،ولمن هجمو علينا صرنا نركض ونركض وصوت القنابل يركض ورانا ،يومها حلفت ما ألمسك غير لمن ترجع لبلاد.وكل ما قررنا نرجع بيطلعولنا بقرار،مرة أوسلو ومرة كامبديفيد ومرة مابعرف شو وكل مرة ببعد عنك و بتبعد عنا لبلاد.

((يضرب "بالكريك" على الحاوية التي يرن صوتها للحظات وبعد أن يسكت الصوت يتكلم هو
هالعرصات وكالة الخراء قالولنا بعد أكم يوم وبترجعوا،رمونا بالهحاوية ونسيونا،أعطونا خيمة صغيرة وقال شو بتكفينا يلعن  شرف خواتهم ....لمن رميتها بوش الموظف القوّاد اللي ما بيسوا فَتَكِه .
(يهز رأسه علامة التأسف..يتحسر)آآخ كانت إمي تقول عملها الزمان وصار أبو لحصيني ذيب،وهي صاروا الحرامية والسرسرية يشوروا ويمونوا علينا،على شو إبن العرص بيمن علي،لا يخلف على ابوه،حتّى الحاوية  كانت للختيارة ام علي  اللي رجع جوزها مع الثوّار ليحرر لبلاد  ماتت لا هو رجع ولا رجع لبلاد ،كنا انام بجنب خيمتها بحسرتنا، أربع عصي وبطانية معفنة اعطتنا اياهم قبل ما تموت كتر خيرها طلعت أكرم من منظمات  تحقير الانسان (يشير إلى إحدى السقائف الآيلة للزوال) متل هالخيمة (يقترب منه يهز العصي التي تكاد تسقط) بس هي أشد من خيمتنا..

 (برهة..يقترب ثانية من الحاوية)مش عارف أعزيها وإلا أعزينا، كنا نشوف حالها كل يوم لورا وهي بباب الحاوية ناطرة ليرجع جوزها, كانت تعيط مثل  لصغار  وتتنغنف،ولمن تتعب و يهدها لعياط تفوت حاويتها لتنام علوح الزينكو البارد..

(فترة صمت)كثير كنا نحكي  عنها ونشفق عليها ،كانت زينا بتشبهنا ومع كل هاد كنا نحسدها  عحاوية بتحميها من البرد والريح الفاجرة والتراب اللي بندخنه مع كل تنفس، كنتي تقولي:(وهو يعد سجارة أخرى..يقلد زوجته بحزن)

شديدة مبتتحركش من مكانها،بنقدر انام فيها  ونتحمم بدون خوف.ويمكن نعمل ليلة دخلة ونجيب أولاد،وبلكي ببطلو أهل المخيم يحكولي جوزك خلنته"خنثة" (يقهقه بسخرية مؤلمة) ثم يقول"مكنتش قادر أحمي بلدي كيف كان بدك أصير زلمة بين رجليكي .

(يعود إلى ما كان عليه.يدخن. ..يدخن)ختيارتنا تركت الحاوية للأبد لمن ضربتها سيارة مسرعة، وهي راجعة ،كانت المسكينة حاملة بكجتها وبتفتش على جوزها بين الخيمات"الحاويات" .

 وهب بسرعة تركنا خيمتنا ودخلنا الحاوية ،صارت ملكنا، وهالمسكينة  ملقيناش عندها إلا طنجرة وصحن تستلم فيهم المؤن وشويت طبيخ بايت يرموه بوشها متل ما بيرمو توالي الأكل للكلاب، ماتت وتركت هالعالم بدون ما تعرف شي عن حبيبها اللي رافقها العمر حتى صارو بيشبهو بعض،يالله بلكي بتلاقيه بالآخرة ومعه معلقة وصحن،ويمكن تلاقي عنده دار.بقولو الجنة فيها اشياء كثير حلوة لا لجوء ولا جوع ولا برد ومفيش حد أحسن من حد.

(يلف سيجارة أخرى فترة صمت قصيرة)بتعرفي يا حوريّة هالختيارة بتشبهني،هي عاشت وحدها وهي أنتي تركتيني لحالي،للغربة وللقهر،للجوع وللفقر،لا معي ولد ولا سند ولا معي ذكرى،أحملها وتحملني،لا إلي وطن أروح له ولا عندي وطن يجيني ولا حتى قطعة أرض أحفر فيها قبر...
كنتي وطني وذكرياتي
كنتي حلمي وإمي وخيتي ورفيقة دربي
كنتي بنتي وصديقتي
"يصرخ" وبتموتي...
كيف بتموتي...؟
 (ينهض وهو يأخذ الكريك ويعاود الحفر ونثر التراب) رح كمّل حفر،ما ضل قدامي غير بطن الأرض (يذر التراب إلى الأعلى وينظر إليه وهو يتساقط على الأرض وخلال هذا المشهد الذي يكرره يصرخ) مش قادرأفهم كيف قدرتي تعمليها؟؟؟

 ولك بتموتي  تتركيني ؟

 كيف يعني تموتي وتتركيني؟

  هذا مش عقوق  مش جنون هذا؟

 من وين إجتك هالفكرة النايطة؟

 إنتي ناشز يا حوريّة ؟
 "ينثر التراب وفترة صمت،يجلس بقربها "
 ما عرفتك هيك باردة ،كان حسّك مالي عليّ الحاوية،ومنسيني غربتي وقرف لسنين، كيف بتصيري باردة هيك،ومين من بعدك يواسيني.؟

 (يقوم بتثاقل يتابع العفر وهو يبكي)اليوم رح أغسل جسمك اللي كان محرّم علي ،جسمك اللي كان يبعد عني الخوف ووحشة لسنين رح اغسله بدموعي رح أبكي عليكي بلكي بتسامحيني وبغسل حزنك لغميق.


"مشهد تغسيل، يتناول طنجرة ملفوفة بصرّة،ويبدأ بتناول الماء ويرشّها بالماء بأطراف أصابعه"
يا الله قديش تحملتي العذاب معي، عذاب ألف مرا، كنتي تذبلي وأنتي صابرة
وأنا مش قادر أعملك شي. يا حزني، يا نكبتي ونكستي، وجهك مزورق، وشفايفك باردين، ملعون الموت اللي غيرك، ملعون أخذك مني  وأخذ كلشي حلو معك، سامحيني بدي روح،بطلت أقدر أطلع بوشك اللي كان كله حياة ،كان بكفيني منك ابتسامة وعيونك هالسود بيضحكو لي ،رايح يا حورية وتارك هالعتمة....

مشهد"وهو يجففها ويلبسها الكفن "
من يوم تزوجتك وأنا أوعدك بوعود كثيرة وأحلام كبيرة، وهيني بفتش لك  عقبر أدسكِ فيه عالسكيت وبخوف لحدا يشوفنا ،يا خيبتي كأني بدفن عاري وتقصيري.

 (يجلس على حافة الحفرة.. يدخن..يخرج بعض العصي يرميها خارج الحفرة)هذا اللي أنا فالح فيه ألف دخان وأعيط متل النسوان،سقا الله عأيام لبلاد لمن كنا نزرع الحقل كل موسم شكل مرة قمح ومرة شعير ومرة تتن،إي تتن لمن تكبر النبتة وتصير الورقة كبيرة كبيرة قد إلحاف،بتغطي زلمة،
بتذكري أول يوم استلمت فيه المؤن،مكنش مثل بقية الأيام ، قررت أروح وحدي بعد ما إقنعتك إظلي تحت الزينكو،بلكي بيظل عندك شوية كرامة أحافظ عليها، بكفي إنذليتي معي بهالعالم التعبان.
 (بحزن)وأنا رايح لساحة المخيم ،حسيت الأرض بدور فيي وبدور وإدور ،ولمن رمولي حفنة الرّز في قاع الصحن  مثل اللي بيرمي عظمة لكلب مسعور وجربان ، ما بعرف بشو حسيت وقتها،كني اختنقت،كنت بدي صرخ وإبكي ،بس إنخرست كرمال عيونك،ولمن ارجعت كان صحن الرز أثقل من جبل، وإكتافي كنها وصلت الأرض ،ما شفت مخلوق في الساحة ، لأني ما رفعتش راسي من الأرض، بالأرض ضليت أطلع أفتش عكرامتي المنداسة والطريق صارت أطول كني ماشي لجهنم.

 (يحاول أن يسجّيها في الحفرة ليكتشف أنها ضيّقة،فيعيدها إلى خارج الحفرة ويعيد الحفر بعصبية،) هي عفرة على  راسي
وهي على راس اللي كان السبب
وهي على راس اللي نكبنا واللي نكسنا
وهي للي قال كلمات طيبة ونسي ينشلنا
وهي إلنا
وهي على خوازيق خواتهم
وهي عراس الجميع
وهي، وهي، وهي، وهي..(يسقط على الأرض.. صوت خارج خشبة المسرح)
 الدقايق الأخيرة من توزيع المؤن، لا تنسوا صحونكم، الأكل محدود، اللي  بيتأخر ما رح يآخد شي

 (ينهض الرجل وهو يضحك بسخرية وهو يحمل صحنه بيده ويركض من زاوية لأخرى..يتجول وبسرعة)
 سمعتو ما سمعتو،؟؟ الأكل محدود ويمكن تموتو من الجوع في وطنكم

 (يعود ويجلس بقرب الحاوية)هي أواعينا وهي بيوتنا وهي ذكرياتنا وهي الحواجز وهي السجون وغرف التحقيق وهي الوطن اللي حلمنا بيه وهي بكجنا ومؤنا  مثل اللي في السينما،أكيد هذا فليم،هذا فيلم أكيد مستحيل يكون حقيقي في وطنا،
 معقولة أنا فاهم غلط! معقولة في وطنا ونعيش بخيمة....قسّمونا مناطق وأرقام،حواجز ومخيمات،شي لاجىء وشي نازح وزرعوا بينا جدار.
(يدخل رأسه في إحدى السقائف وينادي)

في حدا هون؟ عم تسمعوني، انتو هيي ياللي هناك أو هون
 (مع نفسه)الظاهر  إنهم راحوا لبيت الجوع قبل ما يخلص الاكل، الجوع إبن كلب وبلاش يموتو جوع وذِل (برهة)أنا كمان جوعان ،بس لازم أوفي بوعدي اليوم

 (فترة صمت قصيرة جدا)بيتنا مش ابعيد عن  لحدود، بس خايف أوصله،وهم قالولي

رأسك أو البيت


 (صمت وبحزن)يا ريتني لو أعطيتهم راسي قبل ما يجي هاليوم المشئوم، راسي  أرحم بكثير من هالعذاب(فترة صمت قصيرة)


 (فترة صمت قصيرة)سامحيني المشكلة أكبر منا وهي لعبة للكبار، بعرف إني ذليل وحزين وحسدتك أكثر من مرة عالموت يا حورية، بس شو بعمل وهذا قدري،مش قادر اغيره أو أبدله،

 (يجلسها على المقعد إلى يساره و يريح رأسها على كتفه)رح أدفن هالصحن معك(يدخل الحاوية ومن الداخل نسمع صوته)بلكي هناك بيعطوكي أكل وبتشبعي رز ولحمة،ويمكن يعطوكي سلّة قُطّين ومخدة بدل كتافي اللي تيبّست.

 (فترة صمت قصيرة)

 (يقف منتصبا ويتركها ممددة فوق المقعد)ما تنسيش إرمي الصحن هناك وصرخي، طالبي بحقك اللي ضاع وأحلامك المسروقة والأعياد اللي راحت علينا

 (يتجه إلى إحدى الحفر)بدي أجرّب هالحفرة بلكي بتكون القبر الأخير (يدخل فيها..يظهر نصف جسده إلى الجمهور..يسحب بقوة ملابس تالفة وتاريخه...يرميها إلى الخارج)هي كانت مزبلتهم (يضحك بألم) عزا إمبارح كانو يرمو فيها زبالة واليوم صارو يرمونا فيها،مش معقولة صرنا إحنا والزبالة واحد.!! لا لا لا مش هاد مكانك

 (يصرخ)كيف أدفنك هون  والرايحة ما بتنطاق، ،ولك أنتي بيطلعلك قبر متل القصر ،مستحيل يكون هاد مكانك،.!!!


 (يخرج بسرعة وباحتجاج..يقف منتصبا)لا لا لا هذا مش مكانك (يذهب إلى حفرة أخرى )بلكي بتكون هي أحسن لأنها قريبة من الجدار بلكي بيهدمو وبتشمي ريحة لبلاد من القبر.

 (يصل الحفرة التي يدس فيها كريكه ليتبين له صلابتها وصعوبة إكمال الحفر)هي كلها حجار مستحيل أدسك  فيها(يحاول الحفر ثانية لكنه لا يستطيع ايضا)والله صعبة ...صعبة ، الظاهر إنهم دفنوا فيها صخر، ولا يهمك بعد في  حفرة ثانية بجنب سكة الحديد،ويمكن يمرق القطار ويآخدك مشوار لتزوري جبال البلوط والغار،وتسلمي عالخروبة وشجر الزعرور.

 (يستدير إلى الخيمة"الحاوية" ويخاطبها)رح جرب الحفرة بلكي بتكون ارحم وترضا فيكي (يصل الحفرة وما أن يدس كريكه يخرج العديد من الخرق البالية وكل ما يخرج خرقة تتبعها أخرى، يستمر دون توقف وخلال هذا يتحدث)هلكيت عرفت ليش بكى لحالنا، لأنه عرف قصص لأموات اللي سبقونا بهمهم وغمهم  وكوابيس قهرهم، ومضلش منهم غير هالبالة اللي تكت وهي بتستنا الفرج(بسخرية)شفتي علامة كنا هنا شو رخيصة وتافهة، ،سامحيني ملكيش مكان بين هالمآتم والاواعي الخربانة  اللي رح تقرف قبرك .



(مين السبب.؟)احنا وإلا هم وإلا مين
خليني أترك اللي كان السبب وأروح  للي ناصرنا (وهو يتجه إليها) بلكي بتجيه الشهامة وبيقبل فيكي.

 (يدخل الحفرة ويحاول إكمال الحفر ولكننا نسمع صوت اصطدام الكريك بآلات جديدة كسيف أو رمح أو سكين) ياللي ناصرتنا إنت أملي الأخير، ادفنها بترجاك وسعلها مطرح  أخير.

 (يبحث داخل الحفرة يخرج رمحا محني )ياللي ناصرتنا رمحك محني (وهو يتفحصه ومن ثم يرميه إلى الخارج)ياللي ناصرتنا بحاجتك أنا وقف معي بمحنتي.

 (يخرج سكين صدئة..يتفحصها ايضا ويرميها إلى جانب الرمح)سكين مصدية ياللي ناصرتنا هذا إنت وكأنك هو (وأخيرا يخرج سيف مكسور)بشرف خواتك لا تقلي هذا سيفي.

 (يخرج من الحفرة ويقف إلى جانبها)ياللي ناصرتنا خيبتي اليوم  خيبتين،قديش احفظت خراريف  عن بطولاتك اللي عبت الدني وإنضرب فيها المثل، علمونا بالمداس انك أبو الشجاعة، هذا هو سيفك؟يعني كنت بتضحك علينا وإلا ضحكو علينا بيك ؟

 (برهة)ياللي ناصرتنا سامحني، بطلت  أثق فيك ،ومش رح أدفنها فقبرك ،اعذرني صعب وخصوصا لا في معك سيف ولا رمح ولا حتى سكينة مصدية ،إسمع ترا إنت اطلعت شخشيخة والحق علي اللي صدقت ستي.

((يجلس القرفصاء في مقدمة خشبة المسرح..يدس يده في كيس سجائره سجائره..يخرج..يلفها..يشعلها..يدخنها..أثناء هذا المشهد يتحدث بهدوء وكأنه يحدث نفسه

أحسن لي ما أدفنهاش بقبرك
أحسن لي ما أدفنهاش........

أحسن لي...................

أحسن لي.........................

وأحسن لي أرجعها لبيتها

(ينتفض واقفا وكأنه اكتشف اكتشافا جديدا، يرمي سيجارته ويدوسها بنعله)
إيوا لازم أرجعها لبيتها بلكي بتسامحني
هناك في بيتك اللي حبيتيه ،صندوق أحلامك  القديمة فكل زاوية فيه بيت زعتر وعرق ريحان جففتيه.
وسقيتيها كنك كنتي بتعرفي إنها قبرك الأخير.  رح أدفنك بحاكورة الدار،الحاكورة اللي زرعتيها
بتذكري التينة العالية،تحتها بدي أدفنك ،تتنعمي بفيتها،ورح أحفر وصيتي يحفرو قبري جنب قبرك،وقتها رح نتجوز بحق وحقيق.
 لا كبيرهم طلع كبير
 واللي ناصرنا خاذلنا
واللي وعدنا خانا
 (يضحك)ولِك ليش ما خطرت الحاكورة على بالي من الأول..أكنش ميت أنا كمان ومعيش خبر.؟!
 (يصمت دون حركة وكأنه تنبه إلى شيء خطر)ولك حورية،كيف بدي أوصل الحاكورة؟
 (برهة)رأسي أو البيت(يقف إلى جانب الحفرة ويهمس داخلها)اخترت البيت هالمرة
 (يتحسس رأسه وهي في أحضانه)كنت بعرف ما رح ينفعني بشي،بس ليش اخترت راسي؟، رح أختار بيتي هالمرة وطني ووطنك،  قبري وقبرك .  

(يأخذ الصحن)رح أرمي هالصحن  بوجوهم وأتخلص من هالمذلة ومن عاري (يخرج)
أنا لازم أعملها أنا قادر أعملها، الظفر اللي بيطلع من لحمه بيعرا،ومن يوم تركنا بلادنا عرينا،نحن إلنا وطن يا حورية لازم يلمنا ونلاقي فيه شبر تراب يوارينا،
((تختفي الإضاءة شيئا فشيئا سوى بقعة مركزة على الحفرة وعليه
الله ما قاله شواهدنا هون وقصورنا في البلد،قراري واتخذته واليوم لازم أصحح الغلط،قبري في البلد والشاهد خليه هون
لازم نعملها

(يحمل الكريك) ويبدأ بالرّدم ثم تختفي الاضاءة تدريجيا حتى تنطفئ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق