"احتضاري" نصوص قصصية للكاتب الأديب العربي السعودي محمد الراشدي .
منذ الحروف الأولى في النص الأول من مجموعته
"احتضاري"أدركت أني على موعد مع لغة مسؤولة،راقية تحترم ذائقة القارئ
لتظل تطوف في عالمه الأدبي الفكري.
براعة في السّرد والوصف إلى جانب إتقان
توظيف المفردة في النص الفني،مفردات اخترقت عقل القارئ وفرضت بقاءها في ذاكرته،نصوص
جاءت على هيئة نصائح وتوجيه لمعالجة مساوئ البيئة الأسريّة والقبيلة وبعض
المعتقدات "الآفات"الاجتماعية.
لم
تكن تلك النصوص مجرد محاولات دالة على محنة فردية بل تمتعت بروحية النص الأدبي
المتمكن الذي امتلك مقومات السّرد القصصي الفني المعبر عن البنية الّتي أسس عليها
الكاتب محمد الراشدي رؤاه وتوظيفها في النص ببراعة مبهرة،تنتهي بالقارئ مصعوقًا
بوقع المفاجأة.
احتضاري _"وثمة أكف لها برودة الثلج
تنزرع بهدوء على صدري العاري،تدب باتجاه القلب."ص- 9
لم
يحدد الكاتب الزمان ولا المكان في نصوصه
ذلك ربما لتحميل النص رسالة يوجهها بإمعانٍ ودلالات لكافة الأُسر في بيئته وبيئات
أخرى في محاولة تطوير شبه كاملة.
فطام_ "السكين غير الحادة تنزلق مرارا
فوق السطح اللدن لحبة الحنظل دون أن تحز فيه شيئا."ص_87
من الملاحظ حضور موت في نهاية كل نص بقفلة
لا تشبه سابقتها وكلّ حالة جاءت مختلفة تمامًا عن الأخرى وبأسلوب مختلف لا يقل
إبداعًا عن الآخر.
رائحة القطران_عشرة نصوص قصيرة شديدة الرّطوبة
كذاكرة الكاتب القوية في تمييز الروائح ،حملت من الصور المدهشة الكثير،
"قالوا:بعد أن مات" هيازع"
لم يعد يأتي الشتاء.!"ص_21
باستطاعة تلك النصوص أن تنهض بنفسها وبوصفها
نوعًا ما حققت عنصرين،الإقناع والمفاجأة معًا،وبدءاً من تعاطف الكاتب مع شخصيات
النص ومن خلال شبكة علاقات البناء القصصي،حيث رسم الشخصيات وخلق بينها عناصر شدّ
اجتماعية لأسباب يأتي في مقدمتها أنه كان البطل في مجمل النصوص.
خفاض_ آفة اجتماعية طرحت بأسلوب مبهر لوضعها
تحت المجهر والنقد."الختان"
السلالم_ معضلة المبادئ،من صفحة 45 وحتّى
صفحة48
لقد لامست اللوحات الفنية قلب القارئ خصوصًا
القارئ من صنف المتابعين لخيوط العلاقات بين الأسر وتطور المجتمعات ،لأن مثل هذه
النصوص ذات الأحداث الحادة تحتاج إلى صعق القارئ بين الفينة والأخرى لكي تستبقيه
في علاقة مع الحدث فلا هو براضٍ عنه ولا عقله مرتاح لوقوعها،لتوالي الفجيعة وربما
كان من شأنها أن تمنحه أفقًا أوسع لتناول قضايا تؤرقه.
شوكلة_ يحتضر ويموت في نهايتها الألم،من
صفحة 51 وحتّى صفحة 54.
نستطيع تحديد طبيعة التجربة للكاتب محمد من
خلال طريقتين الأولى:
1- الواقع الموضوعي.
2- التعبير.
فالواقع
الموضوعي على اعتباره الفضاء الإيديولوجي الذي استلهم منه الكاتب أفكار قصصه
الاجتماعية، رؤاه، وفلسفته لبناء النص بواقع مجسّد كُتِبَ فوق الواقع ليجد الكاتب
على نفسه فوق الواقع ويحقق بعمله الهدف من أعماله بموضوعية.
ويظل
الأديب معنيًا بقضية ما سياسية،فكرًا وسلوكًا،"إنسانية"لمعالجتها وصقلها
وإنضاجها، وذلك لا يأتي من فراغ إنما من واقع تجربة موضوعية وقوية، وهذا ما يظهر
جليًّا للقارئ من خلال نصوص الكاتب محمد
الراشدي،غير أن الأخطاء الّتي أساءت لهذه
اللوحات الأدبية الفنية كان أكبرها تأطير النصوص كما لو كانت لوحة في برواز،لم يكن
ذلك بالعمل المسؤول الذي من شانه أن يعود على النصوص بالفائدة،بل وأساء إلى القيمة الأدبية المطروحة في النص،والطريقة
الّتي جمعت بها الأوراق "الدبابيس" والّتي جعلتها أشبه بمجلة إعلانية.وبالتالي فهي إساءة للأديب بالدرجة
الأولى ولمضمون ما أراد أن يوصله ،وعلى
اعتبار أن الأدب فكرة، أمانة يجب الحفاظ
عليها فقد تمت خيانة هذه الأمانة من قبل دار النشر "للنادي الأدبي
بالرياض" في حين أن تلك الأندية أوتيت كل ما هو من شانه أن يعينها على إخراج وتقديم
النصوص الأدبية والفكرية بطريقة أفضل وأجمل لتتجلى صورة الكاتب بمفرداته وفكره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق